خطة مارشال من أجل العالم العربي

فرانكو فراتيني*

الخطاب البالغ الأهمية الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن العواقب المترتبة على الربيع العربي يمثل تحدياً بالنسبة لأوروبا أيضا. فما لم تثبت الشراكة عبر الأطلسي فعاليتها، كما أثبتتها فيما يتصل بتلبية مطالب الحرب الباردة وإنهاء الانقسام الأوروبي، فلن يكون بوسع الغرب أن يساهم في تحقيق الآمال التي تولدت عن الانتفاضات العربية.اضافة اعلان
إن الأزمة الدائرة في الجوار الجنوبي لأوروبا تعكس عملية تحول عميقة الجذور ومن شأنها أن تخلف عواقب طويلة الأمد بالنسبة للمنطقة، وأوروبا، والعالم. إن منطقة البحر الأبيض المتوسط تشكل أهمية بالغة فيما يتصل بترسيخ السلام والاستقرار وتعزيز النمو الاقتصادي في أوروبا. والواقع أن جيران القارة في منطقة البحر الأبيض المتوسط يتطلعون إلى أوروبا باعتبارها شريكة طبيعية لهم. ولا شك أن الأحداث الجارية هناك، بما في ذلك عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، تحمل في طياتها تأثيرات أوسع نطاقاً، وتستلزم بطبيعة الحال المشاركة الحقيقية الفاعلة من جانب شركاء عالميين، والولايات المتحدة في المقام الأول.
إن الأحداث الجارية، ليس فقط في ليبيا بل وأيضاً في تونس ومصر وسورية واليمن والبحرين، تعكس التعقيدات السياسية التي تتسم بها هذه البلدان. وهي تنبع أيضاً من عوامل مختلفة، مثل الإحباط إزاء ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانتشار الفساد، فضلاً عن المطالبة بالمزيد من الديمقراطية، والحد من التفاوت الاقتصادي والاجتماعي، وتوفير فرص العمل.
إن استجابة أوروبا لهذه العملية لابد أن تجسد هدف الانتقال المنظم السريع. وينبغي للمقترحات الخاصة بإنشاء نوع ما من "الشراكة من أجل التحول"، والتي تستند إلى الإصلاح السياسي والاحترام الكامل لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، أن تضع في الحسبان أن المشهد السياسي في المنطقة يكاد يكون من المؤكد أنه سوف يظل متقلباً ومتوتراً في الأشهر المقبلة.
ليس من المستغرب، إذن، أن تبرز قضية الاستقرار الإقليمي باعتبارها أولوية قصوى بالنسبة للأوروبيين. فمن بين المخاطر المحتملة التي قد تتهدد الاتحاد الأوروبي والتي تدرس باستفاضة الآن، الفوضى، وعودة الإرهاب إلى الظهور، وصعود الإسلام الراديكالي، وموجات ضخمة من الهجرة إلى أوروبا. ونظراً لهذا، فإن الاتحاد الأوروبي لابد أن يبذل قصارى جهده لمنع أي تدهور للوضع الأمني في المنطقة.
وكما تألفت خطة مارشال في مرحلة ما بعد 1945 من حزمة من المساعدات المالية التي خصصت للتعمير وإعادة إطلاق الاقتصاد في أوروبا الغربية بهدف دعم التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي، فإن بلدان الربيع العربي تواجه تحديات واحتياجات مماثلة. ويتعين علينا أن نسعى إلى تمكين بلدان مثل مصر وتونس، وربما ليبيا، من تعزيز استقرارها السياسي من خلال التحول إلى الديمقراطية.
كانت خطة مارشال مصحوبة بشراكات لإعادة التعمير جمعت بين الولايات المتحدة وأوروبا على قدم المساواة. وكان الهدف من ذلك يتلخص في تعزيز التعاون كوسيلة لخلق سلام دائم. والواقع أن الوضع في منطقة البحر الأبيض المتوسط يمر بمرحلة أكثر نضوجا. ذلك أن الخطوط العريضة لشراكات حقيقية قائمة بالفعل، وهذا يعني أن المطلوب الآن يتلخص في تعزيز التكامل بين أوروبا وجيرانها في الجنوب.
وهذا هو السبب بأن اقترحت إيطاليا أن يعد الاتحاد الأوروبي "خطة من أجل المتوسط" تهدف إلى دعم عملية التحول والبناء على الأدوات المؤسسية والمالية القائمة من أجل تزويد المنطقة بموارد إضافية. والآن بات من الواجب إعادة تنشيط الاتحاد من أجل المتوسط، الذي أطلقه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في العام 2008، وإعادة توجيهه نحو مشاريع تنموية تتراوح بين الطرق السريعة والموانئ إلى تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم.
ولكن هناك حاجة أيضاً إلى مبادرة اقتصادية أوسع نطاقاً من أجل تعبئة الكتلة الحرجة اللازمة من الموارد المالية الأوروبية والدولية بهدف اجتذاب الاستثمارات إلى المنطقة وتحديث بنيتها الأساسية وخدماتها. ويتعين علينا الآن، بالتعاون مع الولايات المتحدة، أن نعمل على هدم الحواجز التجارية والاقتصادية التي تخنق الاقتصاد في هذه البلدان. ويتعين علينا أيضاً أن نمنح بعض بلدان البحر الأبيض المتوسط وضع الشراكة الذي من شأنه أن يسمح لها بالاندماج التدريجي في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي والمشاركة في برامج الاتحاد الأوروبي.
ولكي يتحقق كل هذا فإن الأمر يتطلب تحديد مجموعة واضحة من المبادئ. إذ يتعين على الأوروبيين أن يساندوا الاستقرار، وأن يسعوا إلى خلق روح حقيقية من الملكية المشتركة، وتعزيز المسؤولية السياسية. ويتعين على الاتحاد الأوروبي في هذا الإطار الجديد أن يتجنب الشروط المفرطة في التشدد، وخاصة أثناء الفترة الانتقالية.
إن الدعم الأوروبي القوي للتنمية الاقتصادية في المنطقة لابد أن يظل على رأس الأولويات، في ظل ما تقوم به البلدان العربية من الإصلاحات الضرورية. ولابد فضلاً عن ذلك من إنشاء مؤسسة مالية مختصة بالمساعدة في تنفيذ هذه المهمة. ومن بين المقترحات التي تستحق الدراسة أن يتم العمل على تحسين وتعزيز مرفق بنك الاستثمار الأوروبي للاستثمار اليورو متوسطي والشراكة، والذي من الممكن أن يتحول إلى مؤسسة مستقلة، وربما تتخذ من الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا مقراً لها، وتعود ملكية بعض أسهمها إلى حكومات المنطقة (أو غيرها من المؤسسات) وغيرها من الأطراف الراغبة.
وبوسع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، الذي يتخذ من لندن مقراً له، أن ينضم إلى هذه الجهود من خلال توسيع أنشطته إلى المنطقة. ومن الممكن أن يقترن هذا بإنشاء خدمات مخصصة لدعم نمو المشاريع القادرة على خلق فرص العمل. لقد أسهم البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير في إنجاح عملية التحول الاقتصادي في أوروبا الشرقية، والواقع أن الحجة قوية للاستفادة من خبراته وتجاربه في مساعدة جنوب البحر الأبيض المتوسط.
وفي الوقت عينه، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يطلق "حواراً بين متكافئين" فيما يتصل بالمسائل السياسية والأمنية، بهدف بناء الثقة عبر المنطقة. والواقع أن عقد مؤتمر حول الأمن والتعاون في منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط من شأنه أن يتحول بسرعة إلى أداة مفيدة لتشجيع هذا التوجه الشامل نحو الأمن والتنمية. وباختصار، نحن بحاجة إلى تحويل بلدان البحر الأبيض المتوسط إلى بلدان منتجة للاستقرار الإقليمي وليست مستهلكة له فحسب.
لا يجوز لنا نحن الأوروبيين أن ندير ظهورنا لأصدقائنا العرب على طول الشواطئ البعيدة للبحر الأبيض المتوسط. فهم يشكلون جزءاً من تاريخنا الجمعي، وهم يستحقون مستقبلاً أفضل، ونحن قادرون على مساعدتهم في بناء هذا المستقبل.
* وزير خارجية إيطاليا، وكان يشغل منصب مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون العدالة والحرية والأمن.
خاص بـ"الغد" بالتنسيق مع بروجيكت سنديكيت/عالم أوروبا.