المؤلفان عبد الجليل ومجيد يقدمان دراسة في "النظرية السياسية النسوية"

غلاف الكتاب- (الغد)
غلاف الكتاب- (الغد)

عزيزة علي

عمان- ضمن سلسلة "عالم المعرفة، العدد 493، نيسان/إبريل 2022"، صدر كتاب "النظرية السياسية النسوية- البنى الفكرية والاتجاهات المعاصرة"، عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، والكتاب من تأليف الأكاديميين رعد عبد الجليل وحسام الدين مجيد.اضافة اعلان
يسعى الكتاب الى تبيان معاني النسوية وتعميقها وما يتصل بها من مفاهيم مثل "المساواة والعدالة، التحرر"، من خلال فكرة التمييز بين النسوية بوصفها نظرية سياسية، وباعتبارها حركة اجتماعية-سياسية، كما يبين القضايا ذات العلاقة بتجارب النسوة وآثارها المجتمعية والسياسية؛ أي أنه يأخذ الكتاب بالحسبان أن قضية المرأة تكاد تعنى بمحورين رئيسين؛ أولهما يتعلق بموقف الرجال من المرأة، أي فهم الأسباب الكامنة وراء اضطهاد النساء وحرمانهن من زاوية نظر النسوية، والثانية تتمثل في مطالب وحاجات خاصة تعتقد المرأة أنها قد استثنيت منها دون وجه حق، وهنا تجري معالجة ما تريده النسويات من وراء مساعيهن وأغراضهن سواء أكان على الصعيد النظري أم السياق العملي.
يقول المؤلفان "إن المنظورات النسوية ونضال النسويات من أجل عالم عادل ومساو ألهما الحركات السياسية الأخرى تاريخيا، ولا سيما اعتقادهن أن الغاية من المساواة تتمثل في ألا تدفع النساء ثمن اختلافهن البيولوجي عن الذكور، وكأن هذا الاختلاف جرم ارتكبته أو ذنب ينبغي عليهن التكفير عنه دوما عبر الإذعان لهيمنة الذكور، فهذا الكتاب يوضح مكانة النساء بذاتها ومعرفة ما إذا كانت نظرية واحدة أو نظريات متعددة عبر التعمق في المعنى الخاص للنسوية وفروضها الأساسية، لينتقل في إثره إلى معالجة البنى الرئيسة وما تسعى النسوية إلى قوله فكرا والعمل به ممارسة".
فهذا، كما يبين المؤلفان، يتطلب قراءة موسعة في مسيرة الأفكار النسوية ومطالب النساء حتى القرن الحادي والعشرين، كما يطرح المؤلفان حلولا وآليات، لاسيما التمييز الإيجابي والكوتا النسوية بوصفهما من المداخل الرئيسة لتمكن المرأة سياسيا ومعالجة ما يعترض سبيلها من حرمان وظلم اجتماعيين، مع العلم أن هذه الآليات ومعالجات أخرى يرها نقادها مع أسس الليبرالية، وعدت هذه القضية بذاتها، وأمست محل جدل كبيرا بين دعاة النسوية ومعارضها، كما يحاول الكتاب تقييم النظرية النسوية والمواقف الفكرية منها ومعرفة ما إذا كانت ما تزال تلهم حقل النظرية السياسية ومجالات العمل السياسي.
في مقدمة الكتاب، يقول المؤلفان إنهما قسما هذه الدراسة إلى مجموعة من الفصول ومباحث متربطة؛ فقد استغرقت الدراسة فترة تزيد على ثلاث سنوات ونيف، وزعت بين الكاتبين توزيعا متساويا، إذ عمل البروفيسور د. رعد عبدالجليل على كتابة الفصلين الثاني والثالث والمقدمة والخاتمة منفردا، فيما عمل د. حسام الدين علي مجيد على كتابة الفصول الأول والرابع والسادس منفردا، في حين اشتركا في كتابة الفصل الخامس، ثم عمل كل منهما على قراءة وتقييم نتاجات الآخر وإثرائها استنادا إلى منهجية تحليل المضمون في المقام الأول، ومن ثم تنظيم كل ذلك في إطار واحد ومتناسق. فجاءت الدراسة كما يلي:
الفصل الأول جاء تمهيدا يهدف إلى تسليط الضوء على موضوع متشعب وخلافي، وهو التأصيل المفاهيمي للنظرية النسوية، بغية تبيان معاني مفهوم النسوية، أي التمييز بين النسوية بوصفها نظرية سياسية، وبين النسوية بوصفها حركة اجتماعية-سياسية، فهذا الفصل يتناول المفاهيم ذات العلاقة والقضايا المتصلة بتجارب النسوة وآثارها المجتمعية والسياسية.
يطرح الفصل الثاني تبيان مكانة النسوية وكيفية النظر إليها على خريطة النظريات السياسية المعاصرة، والبحث في معنى النظرية السياسية وشروطها، بهدف معرفة ما إذا كانت النسوية هي نظرية واحدة أم نظريات متعددة، والمعنى الخاص للنسوية تحديدا وفروضها الأساسية؛ أي النظرية النسوية بوصفها نظرية سياسية تخصصية في المقام الأول، ويقدم بالتعريف بالنظرية السياسية والإحاطة بالمعنى العام لها، وتحاول النظرية النسوية أن تقوله وتسعى إليه من جانب، ومكانة النظرية النسوية على خريطة التصنيف الخاص بالنظرية السياسية ككل من جانب آخر.
ويستعرض الفصل الثالث المؤثرات الفكرية في تكوين العقل الغربي ونتائجه على الموقف من المرأة، بدءا بآراء أفلاطون وأرسطو، مرورا بالإشارات التي وردت في الكتب السماوية؛ وبخاصة العهدين القديم والجديد، والمرأة من وجهة نظر كل من جان جاك روسو، والماركسية الكلاسيكية ونظريتها، إلى النساء وحقوقهن ودورهن في عملية التحرر من النظام السياسي "الرأسمالي"، القائم، وصولا إلى الموقف الوجودي من النسوية الذي مثلته الفرنسية "سيمون دي بوفوار".
ويناقش الفصل الرابع مفهوم النسوية من حيث طبيعته الفكرية واتجاهاته العامة والفرعية، فما مبررات تلك الاتجاهات لدى النسويين وخصوصا المطالبة بالمساواة، والتمثل في التمييز بين المرأة والرجل في المجالات الاتقصادية والسياسية، أم تجاوزه إلى المجال الداخلي المتمثل في الاضطهاد، الواقع عليها وخضوعها وطبيعة علاقة الخضوع- التبعية في ظل تأثير جملة من الترتيبات والقيم السائدة والمفروضة عليها.
فيما يسلط الفصل الخامس الضوء على مسيرة الأفكار النسوية وتطورها جنبا إلى جنب مع تطور مطالب النساء، منذ أواخر القرن الثامن عشر في أوروبا مرورا بمنتصف القرن العشرين، وصولا إلى ما آلت إليه مطالبهن في الأول من القرن العشرين؛ حيث يعرض هذا الفصل مناقشة النظريات السياسية النسوية في تقسيماتها الأساسية، النسوية "الليبرالية، الرديكالية، الاشتراكية، نسوية ما بعد الحداثة، نسوية السوداء"، فضلا عن اللجوء لمعالجة تصنيفات أخرى لاتجاهات أنصار النظرية النسوية بهدف تبيان مواقفها واختلافاتها الفكرية.
الفصل السادس يعالج الآليات المعتمدة للتعامل مع التنوع المجتمعي القائم على أساس التمايزات الجنسية والجندرية، ولاسيما آلية الكوتا النسوية، فالكوتا من زاوية نظر أنصارها تمثل المدخل الأمثل لتمكين المرأة واجتثاث الحرمان والظلم الاجتماعي اللذين أصاباها بشكل واسع، وهذه الآلية تتعارض ربما مع الأسس الفكرية الليبرالية، حيث أثارت هذه القضية نقاشا حول جدوى الاستخدام وآثاره لدى أنصار نظام الكوتا النسوية ومعارضيه.
ويرى المؤلفان أن الحقب الماضية كانت بحاجة النساء فيها إلى الرجال ترتبط بمطالب الحماية من قسوة البيئة وصعوباتها وعدوانية الرجال الآخرين عليها، فالأمر لم يعد كذلك في عالم اليوم، فلم يعد مطلوبا من إنسان حضارة ما بعد الحداثة والعولمة العمل على إفراغ طاقته الحيوية سعيا من أجل البقاء وقهر الطبيعة بالأيدي العارية بل أصبحت لمسة زر منه، رجلا كان أو امرأة لا فرق في ذلك، تكفي كي تنتهي عمليات ما كانت لتتم ولو أتت من قبل عصبة من رجال أولى قوة طوال حياتهم، كما لم يعد لمطالب الأمن والحماية بصيغتها القديمة، ولا ادعاء عدم الرشاد لدى النساء، من موجبات تفرض اتباعها، سواء على صعيد الرجال أو النساء. وبسبب ما أضافته التطورات الثقافية والتكنولوجية وشمولية القوانين وتداخلها في تنظيم العديد من العلاقات القائمة بين الجنسين، وكذلك المتعلقة بالجوانب الشخصية اللصيقة بالأفراد رجالا ونساء، على ما تتسم به من تعقيد وتشابك وتغيير جذري، وفق كل الاعتبارات، في منظومات الأفكار والقيم، كما لم يعد ثمة مسوغات تجبر النساء على الاكتفاء من الحياة والعمل بمجرد أداء الأدوار البيتية التقليدية.