خبراء: "أين المرأة الفيلسوفة اليوم؟"

جانب من الندوة- (من المصدر)
جانب من الندوة- (من المصدر)
عزيزة علي عمان- بمناسبة يوم المرأة العالمي، قام قسم الفلسفة في الجامعة الأردنية وتحت رعاية عميد كلية الآداب د. إسماعيل الزيود، بعقد محاضرة بعنوان "المرأة في تاريخ الفلسفة"، تحدث فيها كل من: المستشارة والباحثة في الفلسفة النسوية د. لينا جزراوي، وأستاذ مساعد د. دعاء علي، وأدارها نائب عميد كلية الآداب أستاذ الفلسفة في الجامعة الأردنية د. توفيق شومر. أشاد الدكتور الزيود، بدور المرأة ولا سيما المرأة الأردنية في تحقيق النهضة الشاملة والتنمية بأبعادها السياسية والثقافية والاجتماعية؛ حيث تبوأت مناصب قيادية في الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية والنقابات والسلك الدبلوماسي، وأثبتت جدارتها في كل هذه المناصب. داعيًا الى دعم المرأة وتمكينها، مع إشارته الى أهمية التنشئة الاجتماعية والبيئة المجتمعية، في تمكين المرأة من أجل أن تضطلع بدورها بوصف النساء يشكلن نصف المجتمع. ورأت الدكتورة دعاء علي، أن الفلسفة تسهم في تحرير عقل المرأة من قيود الخوف وأوهام العجز، وإعادة تعريفها بنفسها، وبحقيقتها وقدراتها من جهة، وتمكينها من أدوات التفكير الناقد من جهة أخرى، وبهذا تعزيز الفلسفة من ثقة المرأة بإمكاناتها، تلك الثقة المبينة على امتلاء حقيقي بالمعرفة، مؤكدة أن التفكير الفلسفي يسهم في تعريف المجتمع بقدرات النساء وبإنجازاتهن، وفق معايير موضوعية دون تحيزات قبلية، وأن تؤمن بحقها التام في خوض التجربة ويتقبل منها الخطأ وإعادة المحاولة تماما كما يتقبلها من الرجل. وأضافت علي، تحتاج المرأة إلى أن يتم تمكينها من أدوات التفكير الناقد لتميز بين الفكرة الإيجابية المناسبة "العادة الإيجابية"، وبين الفكرة السلبية "العادة السلبية"، لتستطيع تحديد الأفكار التي تحتاج إلى كسرها وإعادة تشكيلها مرة أخرى، لافتة الى أن المجتمع الذي يتعود التفكير الفلسفي، هو مجتمع يتمتع بآفاق تفكير رحبة، ولا يهاب مراجعة أفكاره وكسر قوالبه الجامدة إذا اتضح له فسادها أو عدم ملاءمتها للعصر. وأشارت الى أن المرأة حصلت في مجتمعنا على التعليم وعملت وشاركت في أغلب المجالات، إلا أنها ما تزال في الواقع غير مرضي عنها، فهي ما تزال تحت وطأة الضغوط المجتمعية والنظرة التقليدية السائدة التي ترى أن المرأة تابعة للرجل وبحاجة إلى وصايته، فتحملها عبء المسؤولية المجتمعية في مجال أي فشل تمر به فتتهم بالتقصير، سواء كان ذلك في الزواج أو التربية أو حتى في العلاقات الاجتماعية، وهذا الاتهام في التقصير يجعلها تواجه الكثير من العقبات خلال تقدمها على خلاف الرجل. وترى علي أن النساء الناشطات في مجال العمل النسوي نجد الكثير منهن تحت سيطرة هذه الصورة النمطية، فبعد مشاركتها من خلال تقديم المحاضرات والمشاركة في الندوات والمؤتمرات وعقدها الورش التدريبية لتمكن المرأة، فهي عندما تعود إلى حياتها الشخصية يمارس عليها الضغوط إن لم تكن هي نفسها من تمارسها، وهذا ينطبق على الرجل الذي ينصر المرأة في المحافل ثم يعود لتهميشها في واقعه، على الرغم من قناعات المجتمع بحقوق المرأة. وفي سياق مختلف، رأت الدكتورة لينا جزراوي، أن الفلسفة هي من نزعت عن المرأة الصفة الإنسانية بخصائصها الروحية والعقلية ووضعتها في مرتبة دونية. وهذه الفكرة الساذجة قال بها أرسطو -المعلم الأول– وتلقفها العالم العربي والغربي، وأصبحت صورة المرأة السائدة هي "أنها رجل ناقص"، مهمتها الإنجاب والرعاية، وأخطر ما في فكرة أرسطو في هذا فعل الطبيعة، وليس للعادات والتقاليد والثقافة دخل في تحديد هذه الدونية. وعندما نقول طبيعة فنحن نعلن للملأ: أنها صفات غير قابلة للتغيير، و/أو التعديل، المرأة بطبيعتها ضعيفة، وعاطفية، ومستكينة، وغير عقلانية. وتساءلت جزراوي "هل هناك فرق بين قدرة المرأة على التفكير وقدرة الرجل؟"، مبينة أن هذا السؤال قد يبدو بديهيا وقد يعتقد البعض أنه أسخف من أن يطرح في عصر الميديا، والحريات المزعومة، وحق التعبير عن الرأي. لكن السؤال يطرح من زاوية الإمكانات، فوظيفة العقل هي التفكير والتأمل والبحث والتحليل، وحتى يقوم العقل بمهمته هذه يجب أن يمتلك القدرات لذلك. هنا يصبح السؤال، هل تمتلك المرأة الإمكانات من أجل أن يقوم عقلها بمهمته المفترضة والمتوقعة، وهي التفكير؟!. وأشارت جزراوي إلى مقولات تتردد في المجتمع مثل مقولة "إن عقل المرأة أقل في كفاءته من عقل الرجل، وإن الأنثى ليس لديها القدرة على التفلسف"، يشطر العقل البشري شطرين، ومقولة "إن هناك عقلا أنثويا وعقلًا ذكريا، ولكل منهما قدرات مختلفة عن الآخر"، وكأن للعقل جنس بيولوجي، وهذا عار عن الصحة، لأن قدرات العقل تعتمد على ما يمتلكه من مهارات وتجارب وميكانيزمات تفكير، وهذا يكون بالتعلم والتجربة والبيئة. وتحدثت عن أثر هذه الفكرة على مكانة المرأة مثل "غيابها عن المناصب القيادية، أدوارها محددة مسبقا، تبعية دائمة للعقل الذكوري، فقدان المرأة التحكم بحياتها، غياب تام عن الفضاء العام، خسارة تامة وكبيرة للخبرات التي تتشكل بالاحتكاك بالواقع، محدودية التطور المهني، وضعف ميكانيزمات القوة التي تبنيها التجارب، إحساس دائم بالضعف يتحول لقناعة بأنها ضعيفة فعلا". وقالت جزراوي "ونحن نتحدث اليوم عن المرأة نتساءل أين المرأة الفيلسوفة اليوم، قائلة: إن هناك نساء فلاسفة أغفلهن التاريخ عن قصد، لأن التاريخ كتبه فلاسفة الرجال، ومع ذلك فإنه من الخطأ القول إن السبب هو عقل الأنثى يختلف عن عقل الرجل، الأعلى شأنا وأكثر ذكاءً، ومن هنا يمكن القول إن البيئة التي عاشت فيها المرأة وما شكلها من عوامل وظروف اجتماعية وسياسية ودينية واقتصادية، هي التي منعت المرأة من التفلسف"، لافتة الى أنه عندما خضع الرجل لطغاة عبر التاريخ حرموا عليه التفلسف على نحو ما فعل الإمبراطور الروماني نيرون، حيث اختفت الفلسفة حتى بالنسبة للرجال، فلو مر الرجل بظروف المرأة نفسها لكان هو الأقل عقلية والعاجز عن التفلسف. اقرأ المزيد:  اضافة اعلان