"الكنايات الشعبية الأردنية".. مفاهيم ودلالات يوثقها الدكتور الكساسبة

غلاف الكتاب- (الغد)
غلاف الكتاب- (الغد)

عزيزة علي

عمان- صدر عن البيروني للنشر والتوزيع، بدعم من وزارة الثقافة للدكتور عبدالله مسلم الكساسبة، كتاب بعنوان "الكنايات الشعبية الأردنية- دلالاتها وأغراضها"، وجاء في فصلين الأول يتناول الكناية في الأدب الشعبي مشيرا إلى مفهومها وخصائصها، والأسباب التي ترمي إلى التمسك بها، وتداولها وأثرها في التعرف الى سلوكيات وممارسات الناس بين بعضهم بعضا، ويتحدث عن أغراض الكناية الشعبية ودلالاتها مع ذكر الأمثلة.اضافة اعلان
ويعرض الفصل الثاني نماذج مختلفة من الكنايات الشعبية، وما المراد منها، مصنفة حسب الحروف الهجائية، ومن ثم توضح المقصود من المفردات العامية والتراكيب الغامضة للتسهيل على القارئ في نهاية الفصل.
ويعرف المؤلف معنى الكناية الشعبية كالآتي، الكناية لغة: هي أن نتكلم عن شيء ونريد غيره، وهي مصدر الفعل (كنى)، فنقول كنى عن الأمر بغيره.
وكنى كناية يعني إذا تكلم بغيره مما يستدل عليه، وكنى يكني كناية تكلم بما يستدل به عليه أو أن تتكلم بشيء وأنت تريد غيره أو بلفظ يجاذبه جانبا حقيقة ومجازا.
والكناية الفصيحة هي أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة، ولكن يأتي إلى معنى هو رديفه في الوجود فيومئ إليه ويجعله دليلا على ذلك.
في مقدمته للكتاب، يقول الكساسبة، إنه يتناول بشكل رئيس الكناية الشعبية في الأردن بهدف الكشف عن الكناية الشعبية الأردنية ودلالاتها وأغراضها، وجمع ما يمكن جمعه من هذه الكنايات الشعبية من أفواه الناس وتدوينها ليصار في المستقبل إلى دراستها من قبل الباحثين والدارسين بشكل أوفى وأشمل.
ويوضح الكساسبة أن ما جاء في الكتاب يتحدث عن حصيلة مهمة من تراثنا الفكري والاجتماعي والحضاري، وهذه الحصيلة تتمثل في التعابير الكنائية التي توارثها المجتمع واتخذها نبراسا ودستورا، فأخذت تدور مع الزمن على ألسنة الناس رجالا ونساء، كبار وصغارا، مثقفين وغير مثقفين، وغالبا ما تكون قصيرة تؤدي وظيفة بلاغية معينة، مبينا أن هذه التعابير منها ما هو مأثور عن السابقين، تتناقله الألسن جيلا بعد جيل مع التحوير والتعديل في الصيغة لتناسب البيئة الجديدة، ومنها ما هو منقول من بيئات مختلفة مجاورة.
ويرى الكساسبة أن التلاقح بين الناس من خلال الجوار والمناسبات العامة والاحتفالات والمنتديات الثقافية وغيرها أسهمت في نقل هذه الكنايات وشيوعها، وأصبحت حلقة من حلقات الوجود والإبداع في التراث الشعبي الأردني، كما أسهمت الى حد كبير في تفسير كثير من العادات والتقاليد وأنماط الحياة الاجتماعية السائدة في مجتمعنا سواء أكانت الإيجابية أم السلبية منها، فأصبحت صورة عاكسة كالمرآة تعكس الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها من المجالات.
ويقول المؤلف إنه نظرا لحركة التطور الاجتماعية السريعة، والأخذ بأسباب الحياة المتطورة بسرعة مذهلة، فقد بدا الإحساس بأن صورة الحياة الماضية قد أخذت تتلاشى شيئا فشيئا، ولا سيما أن معظم أبناء هذه الأمة ابتعدوا عن الماضي، واستبدلوا الحاضر فيه، ناسين أن هذه الحاضر سيكون قديما في المستقبل، فأصبح كل شيء تحت رحمة التغيير، فبدأ الخوف والقلق من أن هذا التراث الإبداعي سيؤول إلى الزوال رويدا رويدا مع الأيام، ولكن مهما يكن من أمر ستبقى جهود الخيرين تسعى لإنقاذه من براثن التغيير، وصيانته من الأيدي العابثة التي تحاول تغيير التراث والتاريخ لطمس هوية هذه الأمة.
كما تحدث الكساسبة عن رأي اللغويين الذين أبدوا خوفهم من أن استخدام اللهجة العامية قد يؤثر في تدهور اللغة العربية الفصيحة، فيما يعبر المؤلف عن اتفاقه مع هؤلاء اللغويين وخوفهم على اللغة. غير أنه لم يجد دراسة تتناول هذه التعابير الكنائية دراسة تراثية علمية تسهم في حفظ تراث الأمة من الضياع، وهذا لا يعيب اللغة العربية ولا يؤثر فيها شيئا.
ويرى المؤلف أن اللهجة العامية قائمة بيننا شئنا أم أبينا فهي تسمع في الشارع والمتجر والمعمل وحتى في الوسائل الإعلامية من تلفاز وصحف ولا يخفى على المتمرسين في اللغة أن اللهجات الشعبية هي في الأصل لغة عربية فصيحة باستثناء بعض التعابير القليلة جدا التي جاءت من لغات ولهجات مجاورة كالفارسية والتركية، غير أن العوامل والظروف والأحوال واختلاف البيئات في الزمان والمكان على مستوى الأقطار هي التي حورت وأخرجت هذه التعابير عن مسارها الصحيح، فمعظم هذه الكنايات إذا أرجعناها إلى جذورها نجدها ذات أصل فصيح.
ومن أجل الحفاظ على قيم مجتمعنا الإيجابية التي تنظم العلاقات وتحكم الاتجاهات، وحفاظا على تراثه من الضياع، وعلى الصلة التي تربط ماضيه بحاضره، ومزيدا من المعرفة للمستوى الفكري والاجتماعي والقواعد السلوكية في مجتمعنا، ورغبة في توثيق الكنايات الشعبية التي هي جزء من المأثورات الشعبية التي يجب الحفاظ عليها في مجتمعنا، خاصة وأن هذا اللون من الأدب الشعبي لم يسبق أن أجريت حوله دراسة مستفيضة؛ لهذا جاءت هذه الدراسة حول الكناية الشعبية الأردنية.
ويتابع الكساسبة: "لما كان الأمر يصعب فيه جمع التعابير الشعبية الكنائية من المجتمع الأردني كافة، لا سيما وأنها عملية شاقة وتحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل، فقد اتخذت عينة من المجتمع الأردني، ألا وهي مجتمع محافظة الكرك كأنموذج للدراسة، وقد جاءت هذه العينة شاملة لمختلف المحافظات والبيئات الاجتماعية الأردنية، ففيها المجتمع البدوي والريفي والمدني، وكذلك الحال فإن هذه المحافظة تقع في مكان متوسط بين المحافظات ويقطنها الكثير من الموظفين والعاملين من خارج المحافظة كالذين يعملون في جامعتي مؤتة والبلقاء التطبيقية والشركات الكبرى كالبوتاس والفوسفات والإسمنت وغيرها، فهؤلاء يمثلون قطاعات كبيرة من مختلف المحافظات "المناطق"، في المملكة، ولديهم المخزون المعرفي الكافي من التعابير الكنائية الشعبية التي تمثل مناطقهم".
ويتحدث المؤلف عن بدايته في جمع هذه التعابير، قائلا: "بدأت في جمع التعابير الشعبية ميدانيا، وقمت بجولات ميدانية في قرى المحافظة كاملة والتجمعات السكنية للشركات الكبرى والجامعات، أسعى من خلالها الى التقاط هذه الكنايات من أفواه الناس الذين يسكنون هذه المحافظة، فلم أسمع عن مهرجان أو معرض أو ندوة أو لقاء في ناد أو مناسبة اجتماعية سواء أكانت أفراحا أو أتراحا في قرية أو مدينة أو تجمع سكني لمصنع إلا وذهبت إلى هناك، وأخذت في التقاط بعض التعابير الكنائية الشائعة بينهم أثناء أحاديثهم من الكبير والصغير، والذكر والأنثى، المثقف والأمي، الموظف والعامل، والطالب في المدرسة والجامعة".
ويواصل حديثه: "جمعت آلاف التعابير من الميدان، وساعدني على ذلك نخبة من معلمي اللغة العربية في القرى والألوية داخل المحافظة، ثم قمت بدراسة هذه التعابير وتحليلها، واختيار التعابير الدالة على الكناية الشعبية منها وتأكيد ما يكنى به كل تعبير من خلال المقابلات الشخصية مع بعض الأفراد مراعيا مختلف البيئات والأعمار والطبقات والفئات والثقافات".
ويتحدث المؤلف عن التحديات التي واجهته أثناء عملية البحث، قائلا: "أولها عدم توفير المراجع والمصادر على مستوى البحث والدراسة العلمية التي تتعلق بالكنايات الشعبية في الأردن، وكذلك ندرة الكتب في هذا الموضوع باستثناء الكاتب نايف النوايسة، فقد كتب موضوعا في مجلة التراث الشعبي العراقية في العام 1980.
تدوين التعابير الكنائية: لأنها محكية باللسان العامي وهو مختلف عن اللسان الفصيح، واللهجة العامية تعتمد على النطق الذي يوافق اللسان، ولا تراعي قواعد الإملاء والنحو والصرف، ما جعلني أكتبها حسب نطقها وسماعها من أفواه الناس، وأيضا بعض التعابير جاءت مختلفة في ألفاظها متطابقة في مضمونها، وأحيانا أخرى أجد اختلافا في الآراء وعدم تطابق في المراد من بعض التعابير وإن كانت قليلة، ويعود هذا الى المناطق التي تتداول هذه التعابير، ومع هذا فقد أوردتها بألفاظها المختلفة التي روجت فيها مع ذكر المراد منها حسب تداولها".
وعن صعوبة جمع المادة، يقول: "بالرغم من اقتصار الموضوع على مجتمع محافظة الكرك، إلا أن جمع المادة ليس أمرا سهلا، فقد استغرق أعواما طويلة فبدأت بإعداد هذه الدراسة منذ العام 2005".