التعويض السياسي.. ليس حلا للأزمة

في خضم الجدل الذي يرافق الحديث عن وساطات واتصالات رسمية أو غير رسمية مع الحركة الإسلامية، لإقناعها بالمشاركة في الحكومة ومجلس الاعيان؛ ضمن جهود ومحاولات إعادة دمج الحركة بالعملية السياسية في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، يظهر واضحا أن مثل هذه الوساطات والاتصالات تسير باتجاه الفشل وإغلاق الباب، خاصة بعد التصريحات الاستدراكية لمراقب عام الإخوان المسلمين همام سعيد، وغيره من قيادات حركية، تستبعد، إلى درجة القطع، إمكانية مثل هذه المشاركة.اضافة اعلان
هذا الانطباع بإغلاق نافذة الانفتاح على الإسلاميين والحراكات التي قاطعت الانتخابات الأخيرة، ليس دقيقا، ويمكن تجاوز عقدته، إن كان المدخل لمحاولات إعادة دمج هذه القوى المعارضة في العملية السياسية مختلفا، أو بالأحرى أن تكون هذه المحاولات ذات أفق سياسي أوسع في التعامل والاشتباك الرسمي مع الأزمة السياسية المفتوحة مع المعارضة الإسلامية والقوى الأخرى.
فالمدخل حاليا يركز على السعي إلى إشراك الإسلاميين مباشرة في الحكومة و"الأعيان"، كـ"عربون" رسمي للانفتاح على الإسلاميين والمعارضة وسحب فتيل الأزمة. وهو مدخل تقف دونه معيقات وعراقيل سياسية عديدة، تكاد تجعل القصة كلها مستحيلة التحقق، بل وغير ذات جدوى.
إن صدقت النوايا والتوجهات، ووُجدت رغبة حقيقية في نزع فتيل الأزمة السياسية التي يبدو أن الانتخابات النيابية، بما لها وما عليها، لم تتمكن من حلحلتها؛ فإن المطلوب اليوم هو مبادرة وطنية أوسع وأكثر عمقا من قصة استمالة الإسلاميين للمشاركة في الحكومة و"الأعيان".
مبادرة تؤسس لحوار وطني جامع تحت مظلة ملكية، تقدم، أولا، تقييما موضوعيا -بدون مبالغة أو تقليل- لما أنجز من إصلاحات سياسية وتشريعية على مدى العامين الماضيين؛ وما تحقق في ملف محاربة الفساد، باعتباره شعارا رئيسا للحراك الشعبي؛ إضافة إلى تقييم النهج الاقتصادي المعتمد.
ثانيا، يمكن لمبادرة الحوار الوطني الجامع هذه أن تتضمن التوافق على برنامج وطني؛ سياسي واقتصادي واجتماعي، يستند إلى أرضية سياسية وفكرية وطنية توافقية بين مختلف المكونات السياسية؛ المعارضة وغير المعارضة، وعلى غرار الميثاق الوطني، وبما يشمل الاتفاق على محاور وأهداف وفق جدول زمني واضح ومتفق عليه.
ربما لا يملك أحد تصورا شموليا لمثل هذه المبادرة أو الصيغة للوصول إلى توافقات وطنية للمرحلة المقبلة. لكن ذلك لن يكون صعبا إن توفرت الإرادة والحرص من كل الأطراف؛ رسمية وبرلمانية وحزبية وشعبية، وقبل ذلك توفر الوعي الحقيقي والاعتراف بوجود الأزمة ذاتها، بعيدا عن المكابرة، وسياسة دفن الرأس في التراب!
ليست القصة اليوم هي أن يشارك الإسلاميون أو لا يشاركوا في الحكومة أو في مجلس الأعيان؛ وليست القصة بحثا عن محاصصة وتوزيع غنائم أو تعويضات سياسية لمعارضين أو موالين، بل هي قصة أزمة سياسية ممتدة، لم تتمكن الانتخابات النيابية الأخيرة من تجاوزها، فيما يبقى عنوانها الرئيس هو: غياب شرط التوافق الوطني على أولويات المرحلة المقبلة. ومن هنا فقط؛ أي من البحث عن امتلاك هذا الشرط، يكون المدخل لإنهاء الأزمة.

[email protected]