رسائل من تعديلات الضريبة

ليس عند صندوق النقد الدولي شيء لله، وعندما تصل ديونك الخارجية إلى 95 % من إجمالي دخلك المحلي، وتمر بحالة كساد اقتصادي، فإنك تفقد قدرتك على الاستدانة، وكلما دقت الحكومة باباً للاستدانة أجابتها البنوك والمؤسسات الدولية: اذهبوا وحصلوا عوائد التهرب الضريبي عندكم والتي يقال إنها حوالي ثمانمائة مليون دينار أردني، ويدعي المسؤولون أن العبء الضريبي في الأردن هو الأقل في المنطقة ويبلغ حوالي 5 % من الناتج المحلي، كما أنه ليس هنالك عدالة في التوزيع؛ حيث إن 85 % من عوائد الضريبة تتأتى من خمسمائة مكلف؛ شركات وبنوكا.اضافة اعلان
وأمام هذا الواقع الذي هو نتيجة للسياسات الاقتصادية الفاشلة للحكومات المتعاقبة، فإن الحكومة أقرت أمس مشروعاً جديدا لتعديل قانون ضريبة الدخل، وليس سراً القول إن السبب الحقيقي الذي حرك الحكومة لاقتراح مشروع قانون الضريبة هو محاولة تحسين قدرتها على الاستدانة، أو للدقة تحسين قدرتها على الاستدانة بفوائد مقبولة. ولاحظ أن المسكوت عنه في هذا التوجه هو ذهنية تعتبر الاستدانة قدراً حتى أنك تشعر أن الفريق الاقتصادي والسياسي يعتبر وكأن الاستدانة صارت ميزة من ميزات الدولة وصفة من صفاتها، فليس في ذهن هذه الحكومة ولا سابقاتها أي مجال للسعي نحو الاعتماد على الذات والخروج من التبعية الاقتصادية للمنح والقروض الخارجية ولو بخطة طويلة الأمد.
لكن بالرجوع إلى مشروع قانون الضريبة المعدل الذي أقرته الحكومة -ومن دون الدخول في تفاصيل قانونية لا يتسع المجال لذكرها- فإن القانون يرسل الرسائل الآتية:
الأرباح الرأسمالية من بيع الأراضي والأسهم والسندات معفاة من الضريبة، بالمقابل يفرض المشروع زيادة في الضرائب على أرباح الشركات تصل نسبتها مع ضريبة التوزيع إلى حوالي 45 %، كما أخضع القانون بشكل واضح الأرباح الرأسمالية من بيع حصص الشركات خارج سوق عمان المالي لضريبة تبلغ 15 %. الرسالة؛ أيها الأردني لا تؤسس شركات ولا توظف أردنيين. اجلس في بيتك وتاجر بالأسهم والأراضي فإن هذا أنفع للجيب وأهدأ للبال.
زيادة في الضرائب على الشركات عموما؛ الصناعية والتجارية والزراعية وعلى البنوك خصوصاً، ومع استمرار سياسية الاحتكار وعدم فتح السوق لكثير من القطاعات الاقتصادية، فإن الحكومة لا تضمن بأي شكل كان أن العبء الجديد على تلك الشركات لن ينتقل عبئاً على المواطن من خلال رفع الأسعار، وهذا هو الطريق السريع للكساد الاقتصادي. الرسالة؛ أيها المواطن الأردني نرفع عليهم الضرائب ولكن جيبك هي محطتنا الأخيرة.
سوف نغلظ العقوبات لمحاربة التهرب الضريبي وهذا أمر حق، وسوف نرفع نسب الضريبة ونوسع قاعدة المكلفين حتى تصل للنسب العالمية أو تزيد، ولكن لا تتوقع في القريب العاجل خدمات صحية ونقلا وتعليما مناسبا، أيها الأردني قارن بيننا وبين أوروبا في نسبة الضريبة، أما في مستوى الخدمات التي تقدمها الحكومة فقارن بيننا وبين الصومال.
الشركاء في شركات محدودة المسؤولية ليسوا دائماً محدودي المسؤولية، وإنك أمام موضوع الضريبة والضمان الاجتماعي مسؤول بصفتك الشخصية. أيها الأردني لا تصدق قانون الشركات ولا محامي الشركات.
هذا غيض من فيض، وفي مقابل رسائل الحكومة من هذا المشروع نرسل للحكومة ونقول: ارفعوا الضرائب، لاحقوا المتهربين، ولكن هيئوا لنا العمل وبيئة العمل الاقتصادية ليس من أجلنا بل لغاية أن نجمع المال وندفع منه الضرائب، وبعكس ذلك فإن هذه القوانين على نبل المقصد المعلن، إلا أنها بهذا الشكل تعد مغامرة لأخذ الوطن للمجهول، وهذا ما لخصه الإمام علي؛ إذ قال: ‏"... وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج؛ لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة".