على أردوغان أن يغتنم الفرصة لإحداث تغيير في تركيا

Untitled-1
Untitled-1

سونر جاغايتاي* – (معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى) 5 /4 /2019

كان علينا أن ننتظر قليلا حتى نتأكد، لكن الأمر اتضح الآن: قد عانى الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس رجب طيب أردوغان من الهزيمة في المدن الرئيسية في تركيا في الانتخابات المحلية التي جرت في اليوم الأخير من الشهر الماضي.اضافة اعلان
وقت طويل مر منذ أن كان أردوغان -سواء كنتَ تحبه أم لا- يمثل التغيير. وكان قد دافع عن رؤية تطلعية للبلاد، مشيرا إلى قدرته على تجاوز التحديات الأكثر إلحاحا، بدءا من القضية الكردية، مرورا بالفساد وانتهاء بإنهاء سوء الإدارة الاقتصادية، وهو ما فعلَه. وقد أحبه الناس لهذا السبب ودعموه في صناديق الاقتراع.
لكن الوضع تغير الآن. فقدْ فَقَدَ أردوغان لمسته السحرية. ولم يعُد يمثل التغيير في تركيا، وإنما أصبح يساند الآن بقاء الوضع الراهن.
في الانتخابات المحلية التي أُجريت يوم الأحد في جميع أنحاء البلاد، خسِر حزب أردوغان الحاكِم –"حزب العدالة والتنمية"- في أبرز السباقات الاستراتيجية، بما فيها مقعدي رئاسة البلدية في العاصمة التركية أنقرة، وفي إسطنبول، أكبر مدن البلاد. وشكلت هذه الهزيمة مفاجأة، لأن المسرح الانتخابي في تركيا كان يميل تماما لصالح أردوغان: بالكاد يُسمع صوت قوى المعارضة في وسائل الإعلام في البلاد التي تسيطر على 90 في المائة في المائة منها تقريبا شركات صديقة للرئيس.
ليلة الأحد الماضي، بينما كنت أشاهد الانتخابات على قناة "سي. أن. أن. تركيا"، أعلن مرشح حزب العدالة والتنمية لرئاسة بلدية إسطنبول، بن علي يلدرم، النصر في السباق التنافسي في تغطية مباشرة، قبل فرز جميع الأصوات. ومن المؤثر أنه عندما أصبح واضحا أن هذا ليس هو واقع الحال، رفضت قناة "سي. أن. أن. تركيا" السماح بنقل تصريحات مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو في بثها. ثم ناقش فريق الانتخابات في الشبكة في تلك الليلة خطاب إمام أوغلو من دون الإشارة إليه بشكلٍ مباشر. ولم يسبق لي أن شاهدت أبداً في حياتي مشهدا سياسيا كابوسيا مثل ذلك المشهد المسرحي.
على الرغم من الطبيعة غير العادلة التي اتسم بها السباق الانتخابي، تمت تنحية حزب أردوغان عن السلطة في جميع المدن الست الكبرى في تركيا باستثناء واحدة منها في 31 آذار (مارس) -على الرغم من أن الرئيس أمضى شخصياً عدة أسابيع وهو يعمل في لم شمل حزبه. وقبل يومين من الانتخابات فقط، ألقى ستة خطابات في جميع أنحاء اسطنبول لصالح يلدرم.
قبل بضع سنوات فقط، كنت أعتقد أن الشعبية الاستثنائية لأردوغان كانت هائلة جداً لدرجة أنها تخوله حتى لضمان انتخاب جثة. إلا أن فَشَل رئيس الوزراء السابق يلدرم يُظهر أن أردوغان لم يستطيع تقديم هذه الخدمة لساعده الأيمن.
بعد تولي أردوغان منصب رئاسة الوزراء في العام 2003 ومنصب الرئاسة منذ العام 2014، فإنه يكون قد حَكَم تركيا فعلياً لمدة 16 عاماً، وأصبح أقوى سياسي في التاريخ الحديث للبلاد.
ولكن، هنا تكمن المشكلة: فقد ازداد عدد مواطني البلاد ما يقرب من 31 مليون تركي، أي أدنى بقليل من 40 في المائة من سكان البلاد، أو أنهم بلغوا سن الاقتراع تحت حُكمه. وهؤلاء المواطنون يحملون أردوغان مسؤولية المشاكل في تركيا، بما فيها تَجدُد النزاع مع الأكراد وانهيار الاقتصاد، ناهيك عن البيئة القمعية المتزايدة تجاه المعارضة.
كما لم يَعُد أردوغان يُلهم الناخبين مثلما اعتاد أن يفعل. وتذكرتُ ذلك عندما كنتُ أشاهد شريطاً مصوراً للحملة، والذي يُظهره وهو يجتاز في سيارة إحدى مدن البحر الأسود مصحوباً بالحماية الأمنية المشددة، مع عشرات سيارات الشرطة التي تحرس مركبته. وكان العديد من ضباط الشرطة يقفون على جانبيْ الشارع كل 10 أقدام، ويراقبون عن كثب الحشود التي لم تتجاوز سماكة صفها شخصاً أو شخصيْن. وكان أردوغان يرمي أكياساً من السلع إلى هذه الحشود غير المتحمسة من وراء الدرع المضاد للرصاص في موكبه المحصن.
هذا لا يعني أن أردوغان خسر كل الدعم بين الأتراك. فحتى وقتٍ قريب، كان يوفر نمواً اقتصادياً هائلاً، ويُخرج البائسين، لا سيما من أنصاره المحافظين، من براثن الفقر. وبقي حزبه الأكثر شعبية في انتخابات يوم الأحد بحصوله على حوالي 45 بالمائة من الأصوات. وفي حين أن خصوم أردوغان -بمن فيهم العديد من اليساريين والعلمانيين والليبراليين- يكرهون أسلوبه الاستبدادي في الحُكم، إلا أن العديد من أبرز مناصريه المحافظين ما يزالون يؤمنون به.
إن المأزق الذي يواجهه أردوغان هو أنه بلغ منعطفا في مسيرته حيث يتخلى عنه الكثيرون من الناخبين في البلاد، والذين يشكلون أغلبيةً في المراكز الحضرية. وكانت تركيا قد دخلت مرحلةً من الركود في آذار(مارس)، وأدى التراجع الاقتصادي المؤلم إلى انسحاب عددٍ أكبر من المناصرين.
وإذا أراد أردوغان أن يعود إلى الساحة، فإن عليه أن يصبح مرة أخرى وجه التغيير الإيجابي في تركيا.
والفرصة متاحة. فقد كانت تركيا تشهد عمليات اقتراع على مستوى البلاد (سبعة في المجموع)، أو تمر بأحداثٍ مفجعة (مثل محاولة الانقلاب التي جرت في العام 2016) كل سنة منذ العام 2014. ولن يواجه أردوغان انتخاباتٍ جديدة -أو، كما نأمل، لن يواجه المزيد من الأحداث المفجعة- حتى العام 2023. وأعتقد أن الرئيس التركي شخص عملي، وعليه أن يغتنم هذه الفرصة للتواصل مع النظام السياسي في البلاد وتطبيعه، بدءا بخطاب تنازلي يهنئ فيه رؤساء بلديات المعارضة في إسطنبول وأنقرة ومدن رئيسية أخرى. ثم عليه أن يتحرك لإنهاء قمع المعارضة.
هذا هو السيد أردوغان الذي سيتذكره التاريخ جيداً. أما أردوغان الآخر فهو ذلك الذي سيتلاشى إرثه بسرعة، وسيتذكره الناس كقائد اضطهد شعبه من أجل التمسك بالسلطة. وستذوي صورة أردوغان في الذاكرة الشعبية.

*زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب: "السلطان الجديد: أردوغان وأزمة تركيا الحديثة".
*نشر هذا المقال أولاً في صحيفة "الواشنطن بوست" تحت عنوان: Erdogan Should Seize the Chance for Change in Turkey