سعاد بشناق.. شغف بتأليف الموسيقا يقودها لتشكيل "سيمفونيات" سينمائية

سعاد بشناق في مختبرها الموسيقي-(من المصدر)
سعاد بشناق في مختبرها الموسيقي-(من المصدر)

حققت المؤلفة الموسيقية الأردنية سعاد بشناق رحلة موسيقية تصويرية لافتة؛ حيث تلعب بمهارة على النوتات الموسيقية لتطبع سحرها وأثرها في مختلف أنواع الأفلام والمسلسلات، وتشكل لوحة فنية سمعية وبصرية لا تخلو من مشاعر عميقة يستقبلها المتلقي.

اضافة اعلان

 
بشناق
التي تولت مؤخرا تأليف الموسيقا التصويرية لفيلم "رحلة 404" للمخرج المصري هاني خليفة وبطولة منى زكي، رشحت للعديد من الجوائز الدولية، وعملت مع منصات رقمية مثل "نتفلكس" في أعمال سعودية بين أفلام ومسلسلات، من أهمها مسلسل "جايبة العيد" وفيلم "جرس إنذار" ومحلية مثل "المنعطف".


تخوض سعاد بشناق رحلة موسيقية متنوعة متأثرة بتفضيلات والدها الكلاسيكية وذوق والدتها الموسيقي، مما شكل هويتها متعددة الأوجه، وباتت تصنع هويتها الموسيقية الخاصة بها.


وتتدخل بشناق في تكوين الفيلم بشكل أساسي خلال فترة ما بعد الإنتاج، بالتعاون مع المخرجين؛ حيث تتلقى مشاهد غير مكتملة وتؤلف موسيقا مصممة خصيصا لتعزيز المشاعر والمشاهد التي يراد إيصالها.


التأثيرات الموسيقية

 


كانت طفولة بشناق تجمع مزيجا متناغما من موسيقا الروك الكلاسيكية والعربية واليونانية.


شغف والدها الصيدلي بالعظماء الكلاسيكيين مثل باخ وبيتهوفن، إلى جانب حب والدتها للموسيقا العالمية، بما في ذلك ستيفي وندر وفيروز، الأساس لاستكشافها الموسيقي. وعلى الرغم من تذبذب الاهتمام في البداية، فإن دعم أسرة بشناق دفعها إلى السعي المهني، وكان يوهان سيباستيان باخ مصدر إلهامها.


ومن بين العديد من الآلات الموسيقية، يحتل القانون والتشيلو مكانة خاصة لديها، مع التقدير الكبير لآلة العود، بحسب تصريحها في مقابلة خاصة مع "الغد".


وشكل كل من الطبيعة الانفرادية والتكوين الموسيقي لدى بشناق محطات مهمة لديها، وكان عملها يستمر لساعات طويلة، وتعاونت مع مخرجين عدة رأوا فيها ملحنة ومؤلفة موسيقية تكمل ما يطمحون له في عالم صناعة الأفلام والمسلسلات.

 


تعاونت بشناق مع مخرجين، مثل أحمد ياسين العراقي في "جنائن معلقة"، وإحسان كمون التونسي في "طريق الكاف"، لتعطي الأولوية لاحتياجات الفيلم.


أحلام السجادة الحمراء

 


كان الاعتراف من شخصيات بارزة، مثل المنتج والمؤلف الموسيقي الألماني هانز زيمر، وتجربة "حدائق معلقة" على السجادة الحمراء في مهرجان البندقية السينمائي الدولي، بمثابة لحظات مهمة في مسيرتها المهنية.


تعود بشناق إلى الوراء، مستذكرة اللقاء الفردي الذي جمعها مع الموسيقي العالمي هانز زيمر في الاستوديو الخاص به، وكانت لحظات استثنائية في مسيرتها.


 سعاد بشناق برفقة هانز زيمر

 

تقول "استمع إلى موسيقاي وتحدثنا لبعض الوقت، ليصفني لاحقًا بأنني (فنانة رائعة)، في منشور على صفحته الخاصة، حيث تعززت ثقتي بنفسي وكانت نقطة مضيئة في حياتي".


لحظة أخرى لا تُنسى كانت سماع موسيقاها في فيلم "جنائن معلقة" وهي تقف على السجادة الحمراء في مهرجان البندقية السينمائي الدولي، متمنية لحظتها تواجد والديها برفقتها ليكونا شاهدين على النجاح الذي وصلت إليه بفضلهما.

 


وحظيت موسيقا بشناق، التي اعترفت بها لجنة التحكيم بعد فوزها بجائزة كبرى، بالتقدير، مما أثار مناقشات حول فئة منفصلة من الجوائز للموسيقا.


تعاون بشناق في "جنائن معلقة" أظهر تميزها بالموسيقا الشاعرية والإلكترونية، والذي كان بعيدا عن أسلوبها الأوركسترالي المعتاد.


رحلة موسيقية عبر "نتفلكس"

 


عرفت سعاد بشناق، المشهورة بعملها على منصة "نتفلكس" للفيلم السعودي "جرس إنذار" للمخرج خالد فهد ومن بطولة خيرية أبو لبن وأضوى فهد ودارين البايض، ومسلسل "جايبة العيد" من بطولة سمر شِشة وإخراج سعيد زاغا، بقدرتها على تكييف أسلوبها متعدد الاستخدامات مع الأنواع والحالات المزاجية المختلفة للمشاريع التي تنجزها.


وتضمن عمل بشناق الإبداعي، صياغة موضوع رئيسي للفيلم السعودي، من خلال مزج ميلودراما المدرسة الثانوية بسلاسة وغموض.

 

وكان التحدي هو استحضار كل من العناصر الميلودرامية والإثارة، مما يضمن هوية موسيقية متماسكة يتردد صداها في جميع أنحاء الفيلم بأكمله، على حد قولها.


وتكمل حديثها مع "الغد"، بأنها في "جرس إنذار" مزجت بسلاسة بين موسيقا الأوركسترا والبيانو، وبمساعدة لوحة الآلات الخاصة بها لتأسيس هوية موسيقية متماسكة للعمل.

 

هذا المزج يسمح للموسيقا، كما تقول، بالتكيف بسلاسة مع المشاهد ذات الطبيعة العاطفية المتنوعة، وصولا للحظات الكوميدية إلى الدراما المكثفة.


أثناء العمل على مسلسل "جايبة العيد"، تنوعت مجموعتها الموسيقية لتستوحي الإلهام من الحيوية البصرية للعرض، حيث مزج الموسيقا الشامية في السبعينيات مع الموسيقا اليونانية لإنشاء مشهد صوتي فريد يكمل تماما نغمة العرض.

 


أما المشاركة في مشاريع مثل "رحلة 404" المصري، فكانت نقطة تحول في مسيرتها. تقول "توقع المخرج هاني خليفة من موسيقاي نتيجة فريدة، فهو متابع لأعمالي السابقة، وفي الفيلم قمت بالتركيز على عناصر الثقافة المصرية وإظهار الاضطرابات العاطفية لبطلة الرواية، مما حقق عملا موسيقيا تصويريا يكمل السرد المعقد".




تشكيل المشهد الموسيقي التصويري للسينما العربية

 


نالت بشناق اعترافا وإشادة كبيرة كمؤلفة سينمائية موسيقية عربية في العام 2024، حيث كرست جهدها لكسر التقاليد الموسيقية واستكشاف مشاهد صوتية مبتكرة في السينما العربية.


ودفعتها ندرة التخصصات في الصناعة السينمائية إلى تشكيل شخصية موسيقية خاصة بها، لتكون بصمتها واضحة بالأعمال التي تشارك بها، ويتعزز ذلك بشكل السرد القصصي لتكون موسيقاها مكملا للعمل الأصلي.


وتهدف المشاريع المستقبلية لبشناق إلى استكشاف مشاهد صوتية متنوعة، وإبراز تأثير القصص العربية القوية على الجمهور.


وتعكس المشاركة في فعاليات دولية، مثل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي وبرنامج المحتوى الرقمي Ignite، التزام بشناق بالتجسير بين الفن والأوساط الأكاديمية والمشاركة بورش عمل للمخرجين والطلاب، مما يسهم في رؤى جديدة حول موسيقا الأفلام.


معايير اختيار المشاريع

 


تدور خيارات بشناق عبر صياغة هوية موسيقية فريدة لكل مشروع، تضع بعين الاعتبار عوامل مثل نوع الفيلم ورؤية المخرج، مما يضمن تجربة عاطفية تؤثر بالجمهور.


أما صياغة الموسيقا بالنسبة لها، فهي توازن دقيق يعزز موسيقا الفيلم ولا يطغى على أحداثه. ويعد فهم رؤية المخرج أمرا بالغ الأهمية للتأكيد على العناصر المطلوبة وتوضيح الأولويات، وتقديم عمل يلبي توقعات المخرج والجمهور.


جوائز عالمية

 


تميز بشناق في تأليف موسيقا الأفلام يظهر من خلال الترشيحات والجوائز، بما في ذلك جائزة الشاشة الكندية في العام 2022، عن عملها في فيلم Jasmine Road، فضلا عن الإنجازات على المستوى الدولي سواء في تأليف الموسيقا الأوركسترالية أو الموسيقا التصويرية.

 

 

وفازت بالعديد من الجوائز المرموقة، من بينها جائزة هوليوود للموسيقا في الإعلام Hollywood Music in Media Award عن مقطوعتها الأوركسترالية "غدا"، وتم ترشيحها للجائزة نفسها العام 2019 في فئة أفضل موسيقا تصويرية عن الفيلم القصير "موعد هام جدا"، ومرة أخرى العام 2018 في فئة الموسيقا العالمية عن فيلم "الطريق إلى جنين".


فيما تعمل بشناق حاليا على عدد من المشاريع الفنية المتنوعة، من بينها فيلم "بسمة" من بطولة وتأليف وإخراج الفنانة السعودية فاطمة البنوي، ومن إنتاج السيناريست والمنتج المصري محمد حفظي الذي ينتظر عرضه على "نتفلكس" خلال الفترة المقبلة، إلى جانب وضعها الموسيقا التصويرية لأكثر من 40 عملا، منها: المنعطف (2015)، نبذة عنها (2015)، الانتظار في أورفة (2016)، مرتين في كل مرة (2016)، نكسة الروح (2017)، في المنزل مع الخيول (2017)، وغيرها، ما بين السينما الفنية والتجارية والأعمال التلفزيونية، والتي حازت الجوائز وعرضت في العديد من المهرجانات الدولية مثل فينيسيا، ولوكارنو، وهوت دوكس، وكليرمونت فيران من بين آخرين.


بالنسبة لبشناق، تسد الموسيقا في الأفلام الفجوات البصرية، وتوفر الهوية وتعزز التجربة السينمائية، فالموسيقا تلبي احتياجات الأفلام المختلفة، مما يخلق بيئة متماسكة ومؤثرة لرواية القصص.