هل إسرائيل مستعدة للسيطرة على غزة؟

1699265023985905000
دبابة وجندي من جيش الاحتلال في أطراف غزة التي دمرها القصف - (أرشيفية)

ترى تهاني مصطفى، في مقابلة أجريت معها، أن الخبرة القتالية للجيش الإسرائيلي هي أقل مما يتصور كثيرون. وتهاني مصطفى هي محللة الشؤون الفلسطينية في "مجموعة الأزمات الدولية"؛ حيث تعمل على قضايا عدة، من ضمنها الحوكمة الأمنية والسياسية الاجتماعية والقانونية.

اضافة اعلان

 

وهي تحمل درجة الدكتوراه في السياسة والدراسات الدولية من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة في جامعة لندن. وتتنقل بين المملكة المتحدة والأردن وفلسطين. وقد أجرى مايكل يونع، من "مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط" هذه المقابلة معها في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) لمناقشة الصراع الدائر في غزة وتداعياته على الفلسطينيين عموما.
*   *   *
مايكل يونغ: هل ستقرر إسرائيل إرسال قواتها إلى غزة، وما الأهداف التي ستتوخاها من ذلك؟


تهاني مصطفى: لقد سبق وأن أرسلت إسرائيل قوات إلى غزة ونفذت عدة توغلات برية محدودة ظلت محصورة في أراضٍ مفتوحة قرب حدودها مع القطاع. ولن ترسل على الأرجح قواتها إلى المناطق الأكثر عمرانا إلا حين تتمكن من تقليص المخاطر، ربما بعد أن تتأكد من أن قصفها الجوي قد دمر المباني والأنفاق التي يمكن أن تستخدم لنصب الكمائن لجنودها وشن الهجمات عليهم.


من الوارد جدا أن هذه التوغلات ستستمر ويتسع نطاقها. حتى الآن لم تعقد إسرائيل العزم على إعادة احتلال غزة، نظرا إلى أن هذه الخطوة ستعرض جنودها على الأغلب إلى مخاطر جمة.

 

لذلك يرجح أن تكون توغلاتها قصيرة وقوية، وأن تترافق مع استخدام القوة المفرطة لتقليص المخاطر. ومن المتوقع أن تتركز هذه العمليات في شمال القطاع، لأن هذا الجزء من غزة هو الذي أمرت إسرائيل السكان بإخلائه، وأعلنت أنها ستركز ضرباتها ضد "حماس" هناك، بما في ذلك العمليات التي تهدف إلى إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى الحركة.


لكن من غير الواضح ما إذا كان القصف الجوي والتوغل البري سيؤديان إلى القضاء على "حماس" أو على قدراتها العملاتية، حتى لو نجحت إسرائيل بتدمير كامل شبكة الأنفاق التي حفرتها "حماس" في القطاع. ومن المرجح أيضا أن جنوب القطاع يضم شبكة واسعة من الأنفاق.

 

ونظرا إلى أن غالبية سكان غزة الذين يبلغ عددهم 2.3 مليون نسمة أصبحوا يتجمعون في جنوب القطاع، فستكون العمليات هناك أصعب بكثير. وتجدر ملاحظة أن احتمال أن تسفر العمليات الإسرائيلية عن سقوط أعداد هائلة من الضحايا المدنيين هو أيضا أكثر ترجيحا بكثير هناك.


يونغ: مع أن المسؤولين الإسرائيليين سارعوا إلى الإعلان عن نيتهم القيام باجتياح بري لغزة ومحاولة إنهاء وجود "حماس" هناك، فإنهم لم يفعلوا ذلك بعد. لماذا، وهل يكشف لنا ذلك بعض الأمور عن الفعالية العسكرية لإسرائيل؟


مصطفى: الواقع أن إسرائيل تخشى من أن تتكبد خسائر فادحة في صفوف جنودها. لطالما تمثلت استراتيجيتها في تحقيق أكبر قدر من التأثير باستخدام القوة النارية المفرطة لتقليص خسائرها. لكن من الجدير بالذكر أيضا أن الجيش الإسرائيلي لم يراكم خبرة تُذكر في القتال الميداني خلال العقود الأخيرة.

 

الكثير من الجنود النظاميين والاحتياطيين الحاليين في الجيش الإسرائيلي لا يتمتعون بأي خبرة قتالية تتعدى حراسة نقاط التفتيش ومضايقة المواطنين الفلسطينيين العاديين.

 

وحتى عمليات البحث والاعتقال التي تجريها وحدات النخبة، وليس الجنود العاديين، ثبُت أنها صعبة التنفيذ. فمقاتلو "حماس" تلقوا تدريبا جيدا، ويتمتعون بخبرة في خوض الحروب غير المتكافئة. وهم يعرفون الميدان في غزة جيدا، ويستفيدون من شبكة واسعة من الأنفاق.


يونغ: ذكرتِ الصعوبة التي واجهها الجيش الإسرائيلي في الهجوم على جنين في وقت سابق من هذا العام. هل يمكنك أن تصفي لنا ما حدث وأن تشرحي لماذا علينا أن نفترض أنه قد يتعرض إلى مشاكل مماثلة في غزة؟


مصطفى: إن حرب المدن صعبة، والجنود الإسرائيليون لم يبدوا مستويات عالية من المقدرة والمهنية خلال العمليات الحضَرية الأخيرة. فقد طور الفلسطينيون في الضفة الغربية تكتيكات واستراتيجيات لعرقلة التوغل الإسرائيلي ومواجهته، ومن ضمنها استخدام القنابل الحارقة والعبوات الناسفة المرتجَلة لتعطيل المركبات والدبابات. ونظرا إلى أن مستوى المهنية والتدريب لدى عناصر "حماس" يفوق مثيله لدى فصائل الضفة الغربية، فستكون تكتيكاتهم أكثر فعالية على الأرجح.


لم يكن سهلًا على القوات الإسرائيلية دخول مخيمات اللاجئين وأحياء حضرية أخرى مساحتها أصغر بأشواط من مساحة غزة، وحيث انخرطت في القتال ضد فصائل أقل خبرة بكثير من "حماس" وأقل تنظيما منها. في تموز (يوليو) الماضي، اضطرت القوات الإسرائيلية إلى نشر 2.000 جندي إسرائيلي من قواتها البرية في مخيم جنين الذي لا تزيد مساحته على كيلومتر مربع واحد، قبل أن تعمد إلى القصف الجوي والاستعانة بمروحيات لإنقاذ جنودها.

 

وتمكنت القنابل الحارقة يدوية الصنع من تدمير دبابة وعدد من الآليات المدرعة الإسرائيلية. وحصل الأمر نفسه هذا الأسبوع في طولكرم، حيث دامت عملية تفتيش واعتقال نفذتها القوات الإسرائيلية 26 ساعة نتيجة وقوع اشتباكات مع مسلحين.

 

وتكرر ذلك في مدينة نابلس القديمة في آذار (مارس) خلال عملية ضد مجموعة "عرين الأسود"، التي عرقلت عملية كانت تنفذها أبرز وحدة من قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي لمدة خمس ساعات في تبادل لإطلاق النار لمحاولة استهداف خمسة شبان دون الثلاثين من العمر. ودفع ذلك القوات الإسرائيلية إلى استخدام قنابل متشظية في حي سكني مكتظ.


يونغ: أكد الإيرانيون وحلفاؤهم أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي في حال عمدت إسرائيل إلى نشر قواتها في غزة بهدف القضاء على "حماس". ويشير ذلك إلى أنهم قد يحاولون فتح جبهات جديدة ضد إسرائيل، وحتى ضد الولايات المتحدة. برأيك، ما احتمالات أن تنضم الضفة الغربية أيضا إلى المعركة؟ وما التداعيات التي قد يفرزها مثل هذا التطور؟


مصطفى: تشهد الضفة الغربية استفزازات تتسبب بتصعيد التوتر وتأجيج جذوة المقاومة ضد القوات الإسرائيلية هناك.

 

وقد أبدى الكثير من الشباب الفلسطينيين على نحو متزايد دعمهم لفصائل المقاومة المسلحة، وانضم بعضهم إلى صفوفها نتيجة مواقف الحكومة الإسرائيلية المتشددة أكثر فأكثر خلال العامين الماضيين. وقد تطلب الأمر من إسرائيل والسلطة الفلسطينية عامين لحل هذه الفصائل أو تدميرها أو احتوائها، وتمكنتا فعليا من إحكام قبضتهما أخيرا على الوضع بعد شن عملية عسكرية على جنين بين 3 و5 تموز (يوليو) الماضي.

 

ومع ذلك، أدت الجولة الأخيرة من الغارات الاستباقية التي شملت اقتحامات واعتقالات وأعمال عنف متنامية على أيدي المستوطنين والجيش الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) إلى بروز المقاومة المسلحة من جديد في مناطق عدة. لكن هذه الفصائل تتصف بطبيعتها الدفاعية، وهي في الغالب من دون قيادة.


تسبب تدهور الوضع الأمني في الوقت الراهن بإضعاف السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية. وإزاء الوضع السياسي الحساس نظرا إلى ما يشهده قطاع غزة، لن يسهم إقدام السلطة الفلسطينية على اعتقال المقاتلين الذين يقاومون الاحتلال سوى في نزع الشرعية عنها أكثر فأكثر.

 

ومن المحتمل أن يؤجج ذلك بشكل أكبر جذوة المقاومة في الضفة الغربية، والتي ما تزال حتى الآن في الغالب فضفاضة ومحدودة النطاق ومن دون قيادة. في الوقت الراهن، وحده الشعور باليأس الذي يتشاركه الناس يحرك هذه المقاومة، من دون استراتيجية واضحة أو هدف ملموس يتخطى مواجهة الاحتلال.


يونغ: وُضعت القضية الفلسطينية على الرف لوقت طويل حتى بدا أن الكثيرين قد نسوها. وكشفت الأحداث المشتعلة على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية خطأ هذا السلوك. لماذا أسيء تقدير الوضع بهذا الشكل، وإلى أين سيؤدي إدراك أن الفلسطينيين لم يعد يمكن تجاهلهم بعد الآن؟


مصطفى: من غير الواضح إذا كان هذا الوضع سيتغير، إلا إذا أحدث التأييد المتزايد للفلسطينيين في وجه الاحتلال الإسرائيلي تغييرا في الدعم غير المشروط إلى حد بعيد الذي تحظى به إسرائيل داخل دهاليز السلطة في العواصم الغربية. يبدو أن الفلسطينيين باتوا يحظون بتعاطف ودعم شعبيين متزايدين على مدى السنوات، لكن هذا التأييد لا يمكن حتى الآن توظيفه كقوة سياسية إلا حين تشن إسرائيل هجمات على الفلسطينيين بقوة مفرطة وهمجية.

 

وحتى في ظل أحداث مثل التي نشهدها اليوم من عدوان إسرائيلي شامل على غزة، لا يبدو أن هذا التأييد قادر على إحداث تغير ملحوظ. بعد الهجوم الذي نفذته "حماس" يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، بدا واضحا من التصريحات الرسمية الإسرائيلية عزم إسرائيل على انتهاك القانون الدولي الإنساني في ردها. ومع ذلك، انتظر قادة الدول الغربية وقتا طويلا لمجرد التلميح إلى ضرورة أن تخفف إسرائيل من وطأة هجماتها العسكرية.


صحيح أن الأحداث التي دارت على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية تظهر مخاطر تجاهل القضية الفلسطينية، لكن إسرائيل والمجتمع الدولي استخلصا عن قصد العبر الخاطئة من ذلك.

 

إنهما لم يستنتجا أن عليهما أخذ المأساة التي تعيشها غزة والفلسطينيون على محمل الجد، بل على العكس، حيث خلُصت إسرائيل إلى أن عليها أن تشن عملية عسكرية أعنف للقضاء عليهم. في الواقع، حين يكون الفلسطينيون هادئين يتم تجاهلهم، وحين يقاومون تتم شيطنتهم.


يونغ: هل نحن على أعتاب شرق أوسط جديد، وفي هذه الحالة، ما الشكل الذي ستتخذه المنطقة الجديدة؟


مصطفى: قد يكون الشرق الأوسط أمام منعطف جديد، في مرحلة نشهد خلالها تحديا للوضع القائم ووضعا جديدا قيد التشكل. كان آخر منعطف مر على المنطقة قد تمثل في الربيع العربي، وأسفر عن ارتفاع مستويات القمع السياسي وأعمال العنف وترسيخ الحكم السلطوي في جميع أنحاء المنطقة، فضلا عن تحول الدعم الغربي بعيدا عن السعي إلى إقامة نظام أكثر ديمقراطية، ولو بقليل، في المنطقة.


للأسف، ما تزال القوى التي قادت هذه الثورة المضادة في وجه التوجهات الشعبية والديمقراطية للربيع العربي قوية جدا في المنطقة. ولذلك، إذا كان الشرق الأوسط على مشارف منعطف آخر، فهذا لا يعني بالضرورة أنه سيسلك مسارا إيجابيا.

*مايكل يونغ: محرر مدونة "ديوان" ومدير تحرير في "مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط".

 

اقرأ المزيد ي ترجمات:

  نص ‏الخطة الإسرائيلية للتطهير العرقي في غزة: الترجمة الكاملة‏