عملية جنين لن تجلب الأمن

تسوّق إسرائيل عملية جنين العسكرية على المستوى الدولي، بأنها لإنهاء العنف وتحقيق التهدئة، والقضاء على عناصر يتم تمويلها وتسليحها وتدريبها من إيران، وأن العملية ضرورية لأنه لا أحد قادر على هكذا عملية إلا الجيش الإسرائيلي، لما تنطوي عليه من مخاطر كبيرة. المنطق برمته يتجاهل السبب الأساس لوجود العنف في جنين ومخيمها وغيرهما، وهو وجود شعب بالملايين تحت الاحتلال، حاول وسيستمر بالمحاولة لكي ينهي هذا الاحتلال بالوسائل المتاحة كافة، وأن إنهاء العنف لا يمكن بحال أن يتم إلا إذا انتهى سببه الأساسي والأصيل، وهو حرمان شعب بأكمله من حقه الإنساني والسياسي في تقرير مصيره والعيش باستقلال وكرامة دون احتلال.

اضافة اعلان


كما أن العملية في جنين تتجاهل أبسط قواعد التعامل مع العنف والثورات التي تقول لنا إن العنف سيولد مزيدا من العنف، وإن الدماء لن تجلب إلا مزيدا من الدماء، والعملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة ستزيد ولن تقلل من منسوب العنف، وستجعل مزيدا من الفلسطينيين ممن فقدوا أقارب لهم ينظرون للنزاع مع إسرائيل على أنه ليس فقط سياسيا بل شخصي ثأري. هذا ما تقوله أبسط أدبيات العنف السياسي والثورات، لذلك فالحكمة دائما تتجه للتعامل مع العنف بأسلوب سياسي حواري، وليس مواجهة مسلحة لأن الأخيرة سوف تولد مزيدا من العنف والقتل والدماء. الحكمة تتطلب وتملي التفكير بضرورة تحويل الجار الفلسطيني لحليف سلمي وجار مسالم، لا زرع بذور القتل والكراهية في نفوس الشعب الفلسطيني الذي كل ذنبه أنه يتوق للعيش باستقلال وكرامة.


إسرائيل، ومن خلال هذه العملية، تتجاوز ولا تلتزم بتعهداتها، بدءا من تفاهمات العقبة وشرم الشيخ، وتلك التفاهمات بخفض التصعيد في الولايات المتحدة التي نجحت في التهدئة رمضان الماضي. إسرائيل أيضا تتجاوز على القانون الدولي والدولي الإنساني، الذي يقول إن القوة القائمة بالاحتلال لا بد أن تحافظ على الأوضاع القائمة ولا تغيرها، وأن وجودها مؤقت لا بد أن يزول وأن يأخذ الشعب المحتل حقه الإنساني والسياسي بالاستقلال. اليمين الإسرائيلي لا يعتبر وجوده مؤقتا، وهذا خطر على الشعب الفلسطيني وتهديد وجودي لإسرائيل التي لن تستطيع الاستمرار محتلة لشعب بالملايين يسعى لكرامته الإنسانية وحقه في تقرير المصير.

 

العالم معني بالاستمرار بالضغط والحديث مع إسرائيل على قاعدة حمايتها من يمينها الأرعن المغرور، الذي يسير بخطوات ثابتة نحو المقاربة الدينية التي ستبعد أصدقاء إسرائيل عنها وتجلب لها المزيد من الأعداء، والأهم من هذا وذاك، أنها لن تحظى بجار فلسطيني مسالم لأنه سوف يستمر بالبحث عن طرق وأساليب لنيل حقوقه وكرامته الوطنية التي بات وجود الدولة عنوانه الأساس.


وجود دولة فلسطينية هو الضمانة الأهم للأمن والاستقرار، دولة تحتكر السلاح واستخدامه، وتتعامل مع الأحداث الأمنية على أراضيها بطريقة احترافية سلمية. ما يحدث في جنين أهم تذكير للعالم وإسرائيل بضرورة وجود الدولة الفلسطينية وحاجة كل الأطراف لها.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا