أفلام "خمس دقائق عن بيتي" و"من حلب إلى هوليود" و"البحث عن رفاعة" تختتم المشاركة العربية في كارافان السينما

أفلام "خمس دقائق عن بيتي" و"من حلب إلى هوليود" و"البحث عن رفاعة" تختتم المشاركة العربية في كارافان السينما
أفلام "خمس دقائق عن بيتي" و"من حلب إلى هوليود" و"البحث عن رفاعة" تختتم المشاركة العربية في كارافان السينما

 محمد جميل خضر

عمان- اختتم مساء أول من أمس في المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة (بقاعته الداخلية وحديقة متنزهه) ومقر الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، الشق الأول من مهرجان "كارافان السينما العربية الأوروبية"، وهو الشق المتعلق بالعروض العربية والأوروبية من المهرجان (عرض خلال هذا الجزء فيلم أردني واحد هو الوثائقي القصير "في الليل" من سيناريو وإخراج وتصوير سوسن دروزة).

اضافة اعلان

ويتواصل في الثامنة من مساء غد في مقر الهيئة الملكية للأفلام، الشق الثاني من رحلة كارافان هذا العام والمتعلق ببرنامج "نظرة على السنما الأردنية" الذي تعرض خلاله أربعة أفلام روائية أردنية يعود أقدمها "صراع في جرش" من إخراج واصف الشيخ إلى العام 1957.

وعرضت ثلاثة أفلام وثائقية متوسطة وطويلة: "خمس دقائق في بيتي" للمخرجة الفلسطينية ناهد عواد وهو من إنتاج 2008 ومدته 52 دقيقة، "من حلب إلى هوليود" للمخرج المغربي المقيم في قطر محمد بلحاج والفيلم من إنتاج قطري في العام 2007 ومدته 80 دقيقة و"البحث عن رفاعة" للمخرج المصري صلاح هاشم والفيلم من إنتاج مصري كويتي مشترك هذا العام ومدته 62 دقيقة.

وما بين ألم وأسى وعدسة رسمت ذاكرة لأجيال لم تعرف مطار القدس، بما فيها المخرجة ناهد عواد نفسها، التي ولدت بعد الاحتلال بخمس سنوات، كانت مشاهد فيلم "خمس دقائق في بيتي" تتدفق.

وبعرض صور فوتوغرافية للمطار وأشخاص عملوا فيه أو مروا من خلاله، تنطلق أحداث الفيلم على خلفية أغنية ناعمة باللغة الانكليزية تتحدث عن حقول خضراء كانت هنا وذهبت، وتتنقل كاميرا عواد الحدوبة بين هذه الصور ومشاهد حالية للمطار، فتظهر بقايا مطار مهمل، لا يكاد المار من هناك أن يدرك أنه كان ذات يوم هنا مطار يعج بالحياة، سيارات محطمة، أعشاب تملأ المدرج المحطم، قمامة وقطط وحيوانات وكلاب ودوريات إسرائيلية، تجتمع معا في تخريب مشهد يقول: هنا كان مطار القدس.. هنا كان درة المطارات في المنطقة، وهذا ما فعله الاحتلال به وبنا، فالمطار شاهد حي على مأساة ما تزال فصولها مستمرة، فيعلو صوت الآذان الله أكبر الله أكبر، دلالة على هوية المطار والأرض والقدس.

وعبر أسلوب يبتعد عن السرد، ويستدعي الذاكرة من شخوص عرفوا المطار، تبرز في الفيلم عدة شخصيات رئيسية تتحدث عن ذكرياتها بين الم الواقع وبين لمحات الفرح في العيون وهي تستعيد لحظات جميلة، مما أضفى على الفيلم بعضا من الفكاهة بين سطور من تحدثوا أحيانا، وأثارت الدموع في المآقي حينا آخر.

لا تتمكن شقيقة نورما حويط المقيمة في رام الله من الوصول إلى شقيقتها نورما التي تسكن بالقرب من المطار، فالوصول للقدس يحتاج إلى تصريح خاص من قبل قوات الاحتلال، والوصول إلى الصين سيرا على الأقدام أسهل من الحصول على مثل هذا التصريح، ما يضطر نورما أن تذهب هي لزيارة شقيقتها، وفي أحاديثها وحافظة صورها، نرى الصورة الحقيقية لمرحلة مهمة من تاريخ وذاكرة الشعب الفلسطيني، من خلال هذا الرمز المسمى مطار القدس، فالمطار كان يعج بحركة يومية وخاصة مع بيروت، تهبط به أو تقلع يوميا العديد من الطائرات، ومن منـزل السيدة نورما تبرز لنا الكاميرا البؤس الذي يحيط بالمطار، وتقارنها الكاميرا مع الصور الفوتوغرافية التي تملكها هذه السيدة بما تحمله من ذكريات عائلية، صور استقبال وتوديع لزوار قادمين أو أهل مغادرين.

وفي سياق متواصل لمشاهد الفيلم المتصاحبة مع موسيقى كلاسيكية، يتحدث يوسف حجار الذي عمل في المطار بداية خمسينيات القرن الماضي، وعايشه حتى قدوم الاحتلال الذي أغلقه عدة سنوات وعاد وفتحه مؤقتا بمخالفة لكل قوانين الدنيا، ثم جعله في زاوية الإهمال حتى يصبح أطلال مطار، يتحدث بروح مرحة عن تلك الفترة التي عايشها، ولمحات الألم تسود في عينيه، ففي هذا المطار له ذكريات كثيرة، ومن هذا المطار انطلق برحلة خاصة لبيروت مع عروسه لقضاء شهر العسل، والطريف أنها كانت بطائرة شحن عادت فارغة لبيروت، فاعتبرت تكريما من إدارة المطار بسفره وعروسه بالطائرة وحدهما، وما يزال يحتفظ بين أوراقه التي عرضها بصور ووثائق واستمارات رواتب وبطاقات سفر

وكذلك تتحدث ضمن مشاهد الفيلم وأحداثه هانية ياسمينة، المقيمة في عمان تستعرض الصور وتستذكر أشخاصا مروا من هنا، عملوا أو سافروا والدموع تفر من عينيها، تستذكر المرحوم الملك حسين بصورة له في المطار، وتقول: كان الملك حسين يستخدم المطار بشكل مستمر، وكانت في المطار مقصورة ملكية خاصة لاستقبال زوار الأردن الكبار، من قادة ومن زعماء، بمن فيهم بابا الفاتيكان في زيارته التاريخية عام 1964، فالضفة الغربية والقدس كانتا قد توحدتا مع الأردن بعد نكبة فلسطين، وكانت القدس تعتبر العاصمة الروحية للأردن.

ولم يفت المخرجة أن تصور مسجدا تحدثت عنه امرأة فقالت: لقد بناه أبناء الكويت للصلاة، فهم كانوا يسكنون هنا إما للدراسة أو للتصييف، وجعلوه وقفا إسلاميا، وفي هذا دلالة أن القدس وأرض فلسطين هي وقف لأبناء ديانتين إسلامية ومسيحية، عاشوا معا عبر العصور، ربطهم دم كنعان ودم العروبة بغسان وعدنان وقحطان.

ينتهي الفيلم بعد كل هذه التراجيديا المؤلمة، بمشهد للجدار الأفعى وهو ينبت في أرضنا ويعزل القدس ومطارها عن مجال الرؤية، فتقول المخرجة: هل سأسافر يوما من هذا المطار الذي يبعد فقط خمس دقائق عن بيتي.

ويتناول "من حلب إلى هوليود" لمخرجه محمد بلحاج رحلة المخرج السوري العربي العالمي الراحل مصطفى العقاد الذي استشهد في تفجيرات عمان الإرهابية عام 2006.

ويرصد الفيلم بموضوعية منصفة إنجازات العقاد التي وضعته، خصوصا بعد فيلمي "الرسالة" و"عمر المختار" في مصاف المخرجين العالميين الكبار.

ويركز، على وجه الخصوص، على الدور الذي لعبه العقاد في عكس صورة حضارية مشرفة عن العرب والمسلمين، في حوار واصله المخرج الكبير حتى وافته المنية.

ويلقي نظرة حدوبة شفيفة الصورة على العلاقة الخاصة التي كانت تربط العقاد بابنته ريما التي راحت ضحية الاعتداءات الغاشمة معه وهي تجلس إلى جواره في بهو فندق حياة عمان.

وعبر تقنيات متطورة تؤشر على علو كعب بلحاج في حقل الأفلام الوثائقية وهو الرجل القيادي في قناة الجزيرة الوثائقية، ينتقل الفيلم من مرحلة إلى أخرى من حياة العقاد، ويمر على معظم الأرشيف المتعلق به، ويجري حوارات مع فنانين تعاملوا معه مثل السورية منى واصف التي لعبت دور هند في فيلم "الرسالة"، أو عرفوه من قرب مثل الفنان السوري دريد لحام. ويكرر على مدى مشاهد الفيلم ومراحله مقولة العقاد الشهيرة أن الفن والإعلام أهم من الدبابة والصاروخ من ناحية التأثير والفعل والنتائج.

وتجري أحداث فيلم "البحث عن رفاعة" المصري الكويتي المشترك من إخراج المصري صلاح هاشم، بين باريس والقاهرة، مرورا بأسيوط وطهطا في صعيد مصر. ويبحث عما تبقى من كتب وأفكار وتعاليم الكاتب المصري النهضوي رفاعة الطهطاوي التي جلبها معه في رحلة عودته من باريس عام 1826. وكان الطهطاوي سافر في أول بعثة تعليمية أرسلها محمد علي باشا إلى فرنسا لدراسة العلوم الحديثة، وعاد منها ساعيا لنشر العلم والتعليم، وليسهم في تأسيس نهضة مصر الحديثة.

وعلى مدى غد وبعد غد تختتم فعاليات كارافان السينما العربية الأوروبية بتقديم عروض برنامج "نظرة على السينما الأردنية". ويعرض في اليوم الأول من البرنامج (الثامنة من مساء غد في مقر الهيئة الملكية للأفلام) الفيلمان الروائيان الأردنيان: "صراع في جرش" إخراج واصف الشيخ ومن إنتاج العام 1957 و"عاصفة على البتراء" إخراج فاروق عجرمة وإنتاج عام 1965. فيما يعرض في الثامن من مساء بعد غد في المكان نفسه الفيلمان الروائيان الأردنيان: "الأفعى" إخراج جلال طعمة وإنتاج عام 1970 و"حكاية شرقية" إخراج نجدت أنزور وإنتاج عام 1991.