الموقر: لواء يتربع على تلة تباركها السماء

الموقر: لواء يتربع على تلة تباركها السماء
الموقر: لواء يتربع على تلة تباركها السماء


عمان- موشحة بالضباب في فجر شتائي، تغادرها عبر صلاة ثم تعبر طريق الصوامع شرقا وسط درب اسفلتي، تسلم على "موتى سحاب" ثم تسير مبتعدا عن العاصمة حوالي ثلاثين كيلو مترا،  تلمح غدرانا بكت في السماء مطرها، ثم تركتها مشربا للعصافير في كبد الصحراء.

اضافة اعلان

  توقف هنا حيث مفترق الطريق عن اليمين غزالة قرى صغيرة يبكي بها الطير ، عن اليسار طريق الشاحنات الاسفلتي الى الازرق وبينهما درب يوصل الى الموقر، لواء يتربع على تلة تباركها السماء، صعودا اليها عن اليمين مصنع الصابون الذي ينفث دخانا وضبابا  يغشي المكان بسحابه من الملوثات السامة لمادة (هيدروكسيد الصوديوم) تتابع الدرب لتستقبلك مدرسة البنين والصغار، يعلو من على كتفها صوت طلبة ينشدون المجد في بلد يصعد قدما الى ذرى العلياء ،عن اليسار علم بلادي علم صنعه الطلاب على ارض التلة من الحجارة.


      هنا اوقف عربتي واترجل قائلة سلاما ايها الاطفال،  ثم اغني على تراب بلادي احضن في قلبي الوان العلم الزاهية واشتم على كل حجر منه رائحة قطرة عرق لطفل حمل حجرا وصنع منه راية خفاقة


     قرب المدرسة يقع المركز الصحي الشامل والذي تأسس العام 1997 حيث يقدم خدماته لأهل المنطقة ويضم عددا من العيادات مثل عيادة الاسعاف والطوارئ وعيادة الاطفال والنسائية، ويأتيه بشكل دوري اختصاصي جراحة،  وجلدية، وفيه مركز لمعالجة الاسنان والاشعة والمختبر يؤمه يوميا حوالي مائة شخص، ويقدم خدماته في رعاية الاسرة والاهتمام بالامومة والطفولة, ويحتوي على صيدلية تقدم الدواء للمواطنين.


وفي ساحته ، تقف سيارة الاسعاف لتقديم خدماتها لأي طارئ وقد حصل المركز على درجة الجودة في الاداء من قبل مديرية الجودة في وزارة الصحة.وهو يخدم القرى المجاورة،ويقوم الاطباء بالكشف الدوري على طلبة المدارس، اترك المركز واسير في الطرقات اتأمل البيوت القديمة المبنية من الطين حولها مزورع نبات العيد، وسياج يحيط بها،  اتوقف امام بيت الشعر ربما كان منصوبا من اجل عرس او من اجل عزاء قربه كومة حطب صامتة.
  
     طريق معبدة بعضها يحمل اشجار النخيل والبعض الاخر يحمل اشجار الدفلى،  اصل الى الدوار حيث تلة من الحجارة على رأسها يقف صقر يكاد يحلق حتى عنان السماء يصدح مباركة انت ايتها الموقر التي اشتق اسمك من التوقير والتبجيل والتعظيم فكان يقال الخليفة الموقر والمقصود يزيد بن عبد الملك, فتنادى الناس بلفظ الموقر وألصق بالمكان بعد الزمان.


       يقع اللواء الى الجهة الجنوبية من العاصمة يحده غربا مدينة سحاب ومن الجنوب مطار عمان الدولي, وتمتاز المنطقة بأراضيها الواسعة شبه الصحراوية وبالهواء النقي, لذلك كانت مصايف الامويين في الماضي.


ابحث عن القصر الاموي القديم فلا اجد سوى اطلال وحجارة متراكبة قد تحول الى زريبة للغنم.


في السابق كان عدد بلديات الموقر اثنتي عشرة بلدية تم دمجها معا في عام 2001 واصبحت بلدية كبرى تسمى بلدية لواء الموقر, ويعتبر من المواقع الاثرية التي تؤرخ لفترات متكررة منذ العصر الحجري وحظيت المنطقة سابقا بأهمية بالغة من النواحي الزراعية, تمثلت بإقامة قنوات المياه والبرك لتجميع الامطار, وذلك للاستفادة منها للاغراض الزراعية وتربية المواشي, وقد بلغت المنطقة اوج ازدهارها في الفترات الاسلامية وخاصة الفترة الاموية في خلافة يزيد بن عبد الملك (101- 105هـ) وايام الوليد بن يزيد (105- 126هـ).


      يقسم اللواء الى ثلاث دوائر, حيث الدائرة الاولى التي تضم منطقة المنشية ومغاير مهنا والحاتمية, اما الدائرة الثانية فتشمل النقيرة والفيصلية, وام بطمة, الذهيبة الشرقية, والدائرة الثالثة تضم رجم الشامي الشرقي والغربي, والهاشمية والكتيفة, ويبلغ عدد السكان حوالي ثلاثين الف نسمة وهو ثاني ألوية العاصمة, اضافة الى التجمعات السكانية  التالية روضة الحسين, الرابية, ومنطقة الماجدية, الحنيفية, غزالة, ويسكن اللواء عشيرة الخريشة وابو غليون.


      في مبنى البلدية كان لي لقاء مع عدد من الاعضاء الذي حدثوني عن اللواء وعن خدمات البلدية من فتح وتعبيد الشوارع, وتصريف النفايات, وانارة الطرقات.كما تحتوي الموقر على حديقة, واخرى في رجم الشامي, وتعمل البلدية على اقامة حديقة ومكتبة في كل مكان, وفيها مدرستان مختلطتان, اساسيتان ومدرسة ثانوية شاملة للبنات, ومدرسة ذكور ثانوية واخرى اعدادية.


وفيها مدرسة خاصة حتى الصف السادس الابتدائي, اما عمل السكان فيعتمد على الوظائف المدنية, العسكرية, وهناك زراعة قليلة للقمح والشعير, وتعاني مناطق التجمعات المحيط من قلة الخدمات, حيث لا يوجد فيها طرقات معبدة, ولا انارة جيدة.


      وهناك مشكلة في المدارس, حيث يوجد قطعتا ارض مستملكة من قبل وزارة التربية والتعليم دون ان تقام عليها مدارس الاطفال مما يجعلهم يقطعون مسافات طويلة سيرا على الاقدام للوصول الى مدارسهم وفي مناطق التجمعات توجد مدارس بلا اسوار مثل مدرسة الماجدية ومحارب, وجدرانها تنز رطوبة مما يؤذي اجساد الاطفال الصغار, ويتحدث السكان عن تلوث الهواء بسبب وجود المصانع المختلفة حيث مصنع الحديد والنسيج والكرتون, واكثر ما يعاني السكان من مخلفات غاز الكلور الناجم عن مصنع الكلورين.... كذلك الروائح الكريهة المنبعثة من مصنع الاعلاف وسوق الحلال حيث هناك مكاره صحية.


اترك البلدية واتابع تجوالي في المنطقة لأتوقف امام مسجد جميل فخم هو مسجد المرحوم الشيخ حديث الخريشة, ثم اتابع الى حيث البركة الرومانية القديمة, اذ اقيم عليها مشروع قناة الموقر لتجميع مياه الامطار واستعمالها للزراعة, يقع قربها ملاعب للاطفال.قريبا من المكان تقام حاليا قرية الروضة النموذجية, حيث هو مشروع اسكاني يتألف من (315) وحدة سكنية شاملة على جميع الخدمات من شوارع وشبكة مياه وكهرباء وهواتف, حيث تقع كل وحدة سكنية على مساحة ارض تترواح من 900م2 فما فوق ويتوفر بها ملاعب وحدائق وسوق تجاري وهو موقع جميل بعيد عن الضجيج يضم عددا من الفلل الرائعة.


       من هذا المكان انطلق الى موقع محروم من الخدمات تماما حيث منطقة غزالة التي اسير اليها في سيارة البلدية, حيث نصحني المسؤولون برؤيتها عن قرب.... وابحث عن يميني الغزالة فأجد ان الحزن يستوطن المكان, فهي قرية صغيرة بلا انارة ولا شوارع ولا شبكة مياه, بيوتها طينية, اهلها فقراء نسيهم العالم, يضطر السكان لشراء الماء من الصهاريج, ويبلغ عدد سكانها حوالي مائتي شخص, فيها مدرسة ابتدائية تضم اربعة صفوف حيث يدرس كل صفين معا.... والقرية بعيدة عن شبكة المواصلات.


     اتجول في المدرسة فأجد انها فقيرة وصغيرة جدا، في ساحتها يقع بئر يشرب منه الطلبة وقد تأسست في عام 1995م نوافذ المدرسة عبارة عن اكياس نايلون تستر عري الاطفال واجسادهم الصغيرة, فلا زجاج للنوافذ, بل ان البرد  يلسع اجسادهم وهم يعيشون براءة عمرهم، يتطلعون الى وطنهم بعز وشموخ، لكنهم ينتظرون رحمة المسؤولين للنظر اليهم لانارة قريتهم، ومد شبكة مياه تروي عطشهم، واقامة مدرسة جيدة تليق بصمودهم.