حينما تروي المسلسلات قصص التنمر: الدراما كسلاح للتغيير

تعبيرية
تعبيرية

 تتصاعد ظاهرة التنمر بشكل مقلق، تاركة جروحا عميقة في نفوس الضحايا، مهددة سلامة الأفراد النفسية من مختلف الشرائح العمرية، سواء داخل أسوار المدرسة أو عبر منصات التواصل الاجتماعي وفي كل مكان.

اضافة اعلان


هذه الزيادة المقلقة دفعت العديد من الأفراد والمؤسسات نحو إيجاد آليات فعالة لمكافحة هذه الظاهرة، التي يزداد تأثيرها السلبي على المجتمع بأسره. والبحث عن حلول يأتي في ظل الرغبة في التصدي لمن يتبنون هذا السلوك، والتوعية بخطورته وتبعاته السلبية على الفرد والمجتمع.


في مواجهة ظاهرة التنمر، لم يبتعد الفن عن لعب دوره المحوري، حيث اتجهت العديد من الأعمال الدرامية لطرح موضوع التنمر بجدية سواء بالمجتمع وفي المدارس والجامعات وحتى في أماكن العمل، مسلطة الضوء على مختلف أشكال سلوكيات التنمر وأثرها السلبي. وقد تناولت هذه الأعمال قصصا تحفيزية تُبرز أهمية المواجهة الجماعية للتنمر.


وضمن استعراض مختلف قضايا المجتمع المصري، قدم مسلسل "إلا أنا" عبر موسمه المكون من حكايات متنوعة، لمحات عميقة حول التحديات الاجتماعية. كل حكاية، منقسمة إلى خمس حلقات، تلقي الضوء على قضية معينة بطريقة فريدة ومؤثرة. على سبيل المثال، تحكي حكاية "حلم حياتي" عن قضية التوحد، موضحة الصعوبات التي يواجهها الأطفال المصابون به في طريقة التعاطي مع المجتمع وكيف يتعرضون للتنمر من الآخرين. بينما تركز حكاية "لازم أعيش" على معاناة المصابين بالبهاق، مسلطة الضوء على التحديات اليومية والتنمر الذي يواجهونه، في محاولة لزيادة الوعي والتعاطف تجاه هذه القضايا.


مسلسل "زي القمر" أحد الأمثلة على الأعمال الدرامية التي تناولت ظاهرة التنمر بصورة مباشرة، مسلطا الضوء على قصة فتاة يظهر على وجهها وحمة كبيرة.

 

يستعرض العمل الذي شاركت في بطولته الفنانة لقاء الخميسي، التحديات اليومية والمواقف الصعبة التي تواجهها الفتاة بسبب الوحمة، من تعليقات جارحة ونظرات فضولية إلى مضايقات مستمرة. من خلال هذه القصة، تظهر الآلام والصراعات التي يمكن أن يخوضها الأشخاص الذين يعيشون مع تغييرات جسدية، وأهمية الوعي تجاه تلك القضايا أثرها على الأفراد.


فيما تناول مسلسل "مدرسة الروابي للبنات"، قضية التنمر بين الفتيات في المرحلة الثانوية، مسلطا الضوء على التحديات والتجارب التي ترافق هذه الفترة الحرجة.

 

ويروي العمل كيف يمكن للتنمر أن يؤثر على الصحة النفسية للمراهقين، متناولا بحساسية الصراعات الداخلية والآثار النفسية للتنمر وأهمية الدعم والمواجهة في هذه المرحلة العمرية الحاسمة.


إلى ذلك، وفي كل عام، تعرض مجموعة من الأعمال الدرامية العربية التي تناقش قضية التنمر وكيف يمكن أن توصل الفرد لأسوأ المراحل النفسية وصولا للانتحار وإنهاء الحياة. وفي شهر رمضان الحالي العديد من الأعمال العربية تعرض قصصا عدة بهذا الجانب، محاولة توعية المجتمع بالمخاطر الكبيرة لهذه الظاهرة وأثرها على الفرد حاضرا ومستقبلا.


وعُرض مؤخرا، رسوم متحركة لعمل يحمل اسم "نورة" وتناول قضية التنمر بأسلوب مبسط وجذاب يناسب الأطفال، ويرسخ مبادئ احترام الآخر ورفض التنمر. من خلال قصة نورة وأصدقائها، يُقدم للصغار دروسا قيمة حول الآثار السلبية للتنمر على الصحة النفسية، مؤكدا على أهمية الدعم المتبادل والتعاون وغرس مفاهيم الإيجابية والمساندة في نفوس الأطفال.


المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني تشير إلى أن الحديث حول التنمر وخطورته على الأفراد يُطرح باستمرار، وهو ما يؤكد الحاجة في مواجهته. حيث تظهر عدة دراسات التأثيرات للتنمر على الصحة النفسية للأفراد، تتراوح من القلق والاكتئاب إلى الأعراض الجسدية كمشاكل النوم وتراجع الأداء الأكاديمي.


تشدد الكيلاني على أن مواجهة ظاهرة التنمر تتطلب تضافر جهود كافة أفراد المجتمع، بما في ذلك الأسر، المدارس، وسائل الإعلام، والقائمون على المحتوى الفني، ومن المهم تقديم تصوير واقعي للتنمر وتأثيره على كل من المتنمر والضحية، وصولا إلى طرق التعامل.


وتضيف أن مناقشة قضية التنمر في المسلسلات والأفلام وبرامج الأطفال يعد وسيلة فعالة وواعية في طريق التغيير الإيجابي، وتوعية الجمهور، باتجاه حثهم على التفكير بشكل نقدي تجاه سلوكياتهم. لذلك على الدراما بجميع أنواعها للبالغين أو الأطفال، أن تكون منصة لترويج القيم الإيجابية وتعزيز التواصل السليم.


وتوضح أن عرض أبعاد التنمر وتأثيره الضار على الضحايا يمكن أن يلعب دورا مهما في تنمية وعي المجتمع بضرورة محاربة هذه الظاهرة. إلى ذلك، يحفز الأطفال على استكشاف طرق بديلة للتواصل والتفاعل مع الآخرين بطريقة أكثر إيجابية واحترام.


ووفق الكيلاني فإن مشاهدة الأطفال والمراهقين لشخصيات في البرامج والمسلسلات التي يفضلونها وهي تقاوم التنمر وتدعم ضحاياه قد تحفزهم على اتخاذ دور فعال وإيجابي في محيطهم. كما أن هذه الأعمال توفر فرصة لبدء حوارات بناءة في البيوت، المدارس، والمجتمعات حول أفضل السبل لمكافحة التنمر ومساعدة من يعانون منه، فضلا عن تشجيع الحوار المفتوح وبناء بيئة تسودها الاحترام والتعاطف.


يشدد اختصاصي علم الاجتماع د. حسين خزاعي على أهمية مواصلة الحديث عن التنمر، ليس فقط لإبراز الضرر الذي يلحق بالضحايا، بل أيضا للتأكيد على التأثير السلبي على من يمارسون التنمر. يؤكد على دور البرامج التلفزيونية والأعمال الفنية في نقل هذه الرسائل بطريقة تخاطب القلوب والعقول، ما يساهم في تعزيز الوعي والتغيير الإيجابي.


مشاهدة الدراما التي تناولت قضية التنمر يمكن أن تحدث فارقا إيجابيا، مشيرا إلى أن تصوير مثل هذه الموضوعات يعزز الوعي بخطورة التنمر والتأكيد على قيم الاحترام المتبادل والتسامح.


وبحسب خزاعي، فإن مشاهدة شخصيات تواجه التنمر وتدعم الضحايا يمكن أن تحفز الناس على اتخاذ خطوات مشابهة في حياتهم، مثل الدفاع عن الآخرين والسعي لخلق بيئة آمنة. الدراما تفتح بابا لمناقشات مهمة في الأسر والمدارس، مما يعزز الاتصال ويحث على الحوار ودعم المتضررين. كما يتعلم المشاهدون من هذه الشخصيات أهمية التعاطف والمساندة في الأوقات العصيبة.


وأخيرا، يشدد خزاعي على أن الدراما التي تتناول التنمر، كذلك، الأفلام، وبرامج الأطفال، تمثل خطوة مهمة نحو ترسيخ ثقافة الاحترام والتعاطف.

 

اقرأ أيضاً:

‘‘التنمر‘‘ في السينما والدراما.. معالجة بصرية تحاكي الواقع