مزيج بارود ودخان وفوسفور.. هذا ما يتنفسه سكان غزة

جانب من آثار العدوان الهمجي الصهيوني على غزة أمس-(وكالات)
جانب من آثار العدوان الهمجي الصهيوني على غزة أمس-(وكالات)

فيما يتواصل العدوان الصهيوني الوحشي على قطاع غزة لليوم السابع والثلاثين على التوالي، بما يترتب عليه من آثار كارثية بعيدة المدى، تتصاعد مخاوف من التأثيرات الناجمة عن مزيج البارود والدخان وشظايا القنابل على الهواء الذي يتنفسه سكان القطاع، من شماله إلى جنوبه، باعتباره مزيجا مثقلا بالمواد الكيميائية.

اضافة اعلان


يضاف إلى ذلك، أيضا، خطر الأمراض المعدية والأوبئة المرشحة للانتشار هي الأخرى، وفقا لخبراء قالوا لـ"الغد" إن مصير السكان بات غامضا لاسيما بعد خروج أغلب مستشفيات القطاع من الخدمة.


وهي بكل الأعراف مأساة حقيقية، كما يصفها خبراء أوبئة ستلحق بنحو 2.3 مليون غزي يتوزعون على 223 مركز إيواء من مدارس ومساجد ومستشفيات وكنائس ودور رعاية، ومراكز الأونروا التي طالتها يد الاحتلال الآثمة، خصوصا بعد نزوح قرابة 70 % من سكان القطاع إلى مناطق أخرى داخله.


وأشاروا الى أن القذائف والصواريخ التي تطلق على رؤوس الأطفال والنساء تحتوي على مواد مثل البارود والمتفجرات، وعندما تنفجر وتحترق تنبعث منها غازات مليئة بالكربون الذي يوثر على الجهاز التنفسي.


وأضافوا أن دمار المباني من جراء القصف يسبب انبعاث الغبار والأتربة من الحجارة والإسمنت، ما يجعل الناس تستنشق الجسيمات الدقيقة المنبعثة من مواد البناء، وهو ما يؤدي إلى ردات فعل على الجهاز التنفسي أيضا.


وفي السياق، يؤكد اختصاصي الأمراض التنفسية والصدرية الدكتور محمد حسن الطراونة أن القصف يؤدي الى انبعاث العديد من الغازات في الجو، فضلا عن انهيار المباني الذي يؤثر سلبا على الجهاز التنفسي، إضافة الى وجود جسيمات وغيرها من المواد التي يزداد تركيزها في الهواء.


وكشف الطراونة عن أن الأطفال يتأثرون أكثر من غيرهم لأن جهازهم التنفسي يكون في طور النمو والتكون ولم يكتمل، لذا فهم معرضون لتشوهات في الجهاز التنفسي وأضرار مزمنة لها علاقة بتنشق الدخان والجزئيات والفطريّات.


وتابع أن التعرض للمواد الحارقة أثناء القصف يؤدي الى تدمير الأغشية المخاطية في الجهاز التنفسي، وهو ما يسمى بـ"الالتهاب الرئوي الاستنشاقي".


ووسط الحديث عن الصواريخ والغارات، قال الطراونة بأنه لا يمكن غّض النظر عن قنابل الفوسفور التي ألقاها جيش الاحتلال على غزة مرات عدة.


وتابع أن الفوسفور الأبيض ُجزء من "الأسلحة الحارقة" المحرمة دوليا، وهو مادة كيميائية تشبه الشمع، وغالبا ما تكون صفراء أو ذات لون أبيض كثيف، مشيرا الى أنه عندما يتفاعل هذا الفوسفور مع الأوكسجين، يشتعل ويحترق، وُينتج دخان الثوم.


وأضاف: "هذا السلاح محظور من قبل الأمم المتحدة بحسب اتفاقية جنيف عام 1980 التي تنص على تحريم استخدامه بوصفه سلاحا حارقا ضّد البشر والبيئة". 


بدوره، قال خبير الأوبئة الدكتور عبد الرحمن المعاني، إن المشكلة الكبيرة في غّزة تتعّلق بالضرر الحراري على الجهاز التنّفسي، مشيرا الى أن "الفوسفور الأبيض" تنجم عنه حرارة تحرق الجلد وتصل للعظم، لذلك فهو محظور دوليا، لأنه يؤذي السكان بدرجات عالية وغير مقبولة.


وتابع المعاني: "القذائف والصواريخ تحتوي على مواد مثل البارود والمتفجرات، وعندما تنفجر وتحترق تنبعث منها غازات كربون توثر على الجهاز التنّفسي".


وبين أن دمار المباني جراء القصف يسبب انبعاث الغبار والأتربة من الحجر والإسمنت، ويجعل الناس تستنشق الجسيمات الدقيقة من مواد البناء، ما يؤدي لردات فعل على الجهاز التنفسي.


وشدد على أن هناك أنواعا من الفطريات كفطر "اسبرغيليس" توجد في ورشات البناء، ويستنشقها الناس وتؤذي الجهاز التنفسي كثيرا، وقد تؤدي إلى أمراض تنفسية مزمنة للفئات الأكثر اختطارا.


أما الطراونة فأشار إلى أن آثار الفوسفور كارثية على الجهاز التنفسي، حيث يؤدي إلى حرقه وحرق القصبات الهوائية، ويؤدي إلى أورام في البلعوم والقصبات، بالاضافة إلى ضرر مباشر وطويل الأمد ذي علاقة بتنشق الأبخرة عالية الحرارة، التي تؤدي إلى حدوث حروق من الدرجتين الثانية والثالثة، ويسبب خطرا كبيرا بعيد المدى لا يقل عن آثار الحرب الكيميائية والقنابل.


وقال: "يبدو أّن سكان غزة أمام خطر صحي جديد أيضا، يسببه الاكتظاظ في الملاجئ والمستشفيات وغيرها".


وأضاف أن العديد من الأمراض التنفسية قد تنتقل عن طريق الهواء كالسل والأمراض البكتيرية والفيروسية التنفسية، وهي تظهر بسبب الاكتظاظ داخل الأماكن المغلقة، بالاضافة لعدم تلقي الرعاية الصحية للنازحين في وقت زمني قصير، نتيجة انهيار المنظومة الصحية.


وشدد الطراونة على مخاطر التأخير في الحصول على الرعاية الصحية نتيجة استهداف المنشآت الصحية، وعدم مقدرة الناس على الوصول اليها، ما يفاقم الحالة الصحية ويؤدي إلى تدهورها، ويزيد من احتمالية تفشي الأمراض، محذرا من انتقال هذه الأمراض إلى الدول المجاورة.


ولفت المعاني الى أنه ومع بداية فصل الشتاء وازدياد انتشار الفيروسات التنفسية، تصبح الأوضاع في قطاع غزة صعبة جدا، فضلا عن انهيار المنظومة الصحية وما ينتج عن جثث الشهداء تحت الردم والأنقاض.


من جهته، حذر أستاذ ورئيس قسم الصدرية في كلية الطب بمستشفى القصر العيني في جامعة القاهرة سابقا د. أيمن السيد سالم، من انتشار الأوبئة في القطاع، مثل الكوليرا وغيرها، والتي تشكل خطرا على السكان.


ولفت سالم الى أن الأوضاع المعيشية والصحية لسكان غزة صعبة ويتعذر معها حماية الأطفال وكبار السن من انتشار الفيروسات الخطرة، وتزيدها صعوبة أجواء الشتاء القاسية.


ودعا الى ضرورة ان يتوقف العدوان المجرم على غزة من جهة، وأن تعاود المستشفيات والمراكز الصحية أعمالها بالتعاون مع المنظمات الدولية والإنسانية، للتخفيف على المصابين أولا، ومن ثم وقف انتشار الأمراض، وتقديم الرعاية الصحية لسكان القطاع، على اعتبار أن ما يحدث هو كارثة إنسانية خطرة.


وكان نقل إعلام فلسطينّي عن مسؤولين، نزوح ما يقرب من 70 % من سكان القطاع، الذي يسكنه نحو 2.3 مليون نسمة، أي أّن عدد النازحين تخطى المليون نسمة، ويتوزعون على نحو 223 مركز إيواء من مستشفيات ومدارس وكنائس ومراكز رعاية صحية.
كما ذكرت "الأونروا" أن أكثر من 600 ألف نازح يقيمون في 150 منشأة تابعة لها في غّزة. 

 

اقرأ المزيد : 

المشاهد الحية لموت الأطفال في غزة.. المثوى الأخير لضمير الإنسانية في العالم