كتاب لأنيس منصور يتناول حياة عبدالناصر وأحلامه بالبحث عن مستعمرات جديدة

 

القاهرة - كان للكاتب المصري أنيس منصور رأي ايجابي في الرئيس جمال عبدالناصر حتى بعد رحيله بشهور، ثم أصبح لا يمل الهجوم عليه بل يرى أنه خدع الشعب المصري كما أصيب بانفصام في الشخصية في العام 1961.

اضافة اعلان

ويتساءل منصور في فصل عنوانه "على جدران الخوف" في كتابه "عبدالناصر المفترى عليه والمفتري علينا" كيف استطاع الرئيس عبدالناصر أن "يخدع شعبا ويضلل أمة؟ لافتا الى احتيال الدجالين -أنصار عبد الناصر- وخيبة هذا الشعب التي أطالت عمر الزعيم رغم أنه تجاوز عمره الافتراضي في أيار(مايو) من العام 1967 يوم أعلن أنه لن يحارب" وشنت اسرائيل حربا في الخامس من حزيران(يونيو) 1967 انتهت باستيلائها على شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية الفلسطينية.

وأصدرت مكتبة "نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع" في القاهرة طبعة جديدة "منقحة ومزيدة" في (420) صفحة كبيرة القطع من كتاب منصور الذي حمل غلافه اشارة الى أنه يتضمن "خطاب مصطفى أمين الى الرئيس عبدالناصر" حيث اتهم أمين بالتخابر مع الولايات المتحدة الاميركية في العام 1965 وحكم عليه بالسجن المؤبد ثم أفرج الرئيس السابق أنور السادات عن أمين "صحيا" في العام 1974.

وصدر الكتاب لأول مرة في العام 1988 بدون الفصل الخاص بأمين. وكانت لوحة الغلاف تحمل في أعلاها أقلاما تنزف دماء أو حبرا على وجه عبدالناصر وهو جالس فوق كرسي يحمله عرايا مذعورون نحيلو الاجساد منكسو الرؤوس. أما غلاف الطبعة الجديدة فيصور عبدالناصر في حالة غضب تعبر عنه قبضته الحديدية.

ويتضمن الكتاب "حكايات" كثيرة بعضها ذكره المؤلف في مقالات وكتب سابقة أو لاحقة ومعظم شهوده من الراحلين. فمثلا يروي عن الرئيس السوري السابق شكري القوتلي أنه في حفلة أقامها عبدالناصر للزعيم السوفيتي السابق نيكيتا خروتشوف مال رجل يرتدي الطربوش "وانحنى على يد عبدالناصر وقبلها" ولم يكن الرجل إلا والد عبدالناصر حتى أن ملك المغرب السابق محمد الخامس همس في أذن القوتلي "بالمعنى.. ان رجلا يفعل هكذا مع والده فما الذي يفعله مع بقية خلق الله".

كما ينقل منصور عن وزير مصري قسمه أنه سمع عبدالناصر "يصف الحج بأنه كلام فارغ" وفي فصل لاحق يقول إن عبدالناصر كان ماركسيا.

لكن الحكايات تنتهي دائما الى المؤلف ليعلق عليها برأيه أو ما يشبه اليقين مثل قوله إن عبدالناصر في سعيه للوحدة بين مصر وسورية (1958-1961) كانت تراوده "أحلام الاسكندر الأكبر عندما نظر الى السماء فسألوه. قال: "أبحث عن مستعمرات جديدة. أما الانفصال عن سورية فقد أصابه بانفصال في الشخصية.. بانفصام.. صار أكثر من واحد.. واحد يتكلم والثاني يلطم... واذا كان الانفصال قد جعله اثنين يتضاربان فهزيمة 1967 جعلته كثيرا.. انفرط.. تبعثر... وبعد الهزيمة العسكرية دخل جمال عبدالناصر الغيبوبة الثانية".

ويقول "إن عبدالناصر كان يحتقر التاريخ المصري مفسرا ذلك بأنه "لم يكن عند عبدالناصر احساس بالتاريخ. فمعلوماته التاريخية قليلة جدا وهو لا يرى أبعد من أنفه الطويل وأنه لم يستطع إلا أن يكون فرعونا صغيرا حمل الكرباج الذي أذل به المصريين انطلاقا من الاحساس بأنه عند المصريين مثل رمسيس الثاني وعند العرب صلاح الدين الأيوبي" حيث كان الأول من أعظم الملوك في تاريخ الامبراطورية المصرية نحو (1567-1085) قبل الميلاد واشتهر الثاني بانتصاره على الصليبيين في معركة حطين في العام 1187 ميلادية.

لكن الناصريين يردون على منصور بأنه نال جائزة الدولة التشجيعية في عهد عبدالناصر. كما يحاولون انعاش ذاكرته بمقالات كتبها بعد رحيل عبدالناصر يوم 28 أيلول(سبتمبر) 1970 منها مقال يرجع الى 13 تشرين الأول(أكتوبر) 1970 في عموده اليومي "مواقف" يصف فيه عبدالناصر بأنه "ليس ماضينا المجيد فقط. إنه حاضرنا

ومستقبلنا أيضا. وكفاحه مرحلة من كفاح أمتنا. مرحلة فيها الدموع والدماء والنار والدخان والمصانع والمؤسسات والطرق والأرض والثروة والكتب والدواء".

ومنصور (83) عاما تخرج في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة في العام 1947 وتولى رئاسة تحرير مجلات منها "كاريكاتير" و"أكتوبر" التي صدرت في عهد السادات الذي كان منصور أحد المقربين منه، كما ظل قريبا من دوائر السلطة حيث ظل عضوا بمجلس الشورى لنحو (20) عاما اضافة الى عضوية هيئات رسمية منها المجلس الأعلى للثقافة والمجلس الأعلى للسياحة ومجلس ادارة الهيئة العامة للكتاب وصندوق التنمية الثقافية.

ويعد منصور من أكثر الكتاب المصريين غزارة اذ صدر له نحو (175) كتابا وتلقى كتبه رواجا بين القراء فهي متنوعة ويظل كتاب "في صالون العقاد كانت لنا أيام" أكثر قبولا لدى بعض المثقفين الذين لا يحفل كثير منهم بكتاباته الغزيرة بل يستبعد كثير من نقاد الأدب ما ينسب منها الى الأدب حتى أن الناقد المصري سيد حامد النساج ذكر في كتابه عن أدب الرحلة أن كتابات منصور في هذا المجال "خفيفة لا عمق فيها ولا تحليل يرهقها.. واللغة عنده خاطفة سريعة قلقة لذا فإنها لا تحمل أبعادا فكرية وانما تنقل بشكل سريع خاطف بعض المشاهدات وهو ينتقل من صورة الى صورة ومن مشهد الى آخر لأن كثرة الصور والمشاهد هي التي تهمه وليس التحليل والتعمق".

كما يتجاهل أساتذة التاريخ والفلسفة كتاباته التي يعتبرها دراسات تاريخية أو فلسفية وكذا المهتمون بالعلوم. وتقول صفحة منصور على موقع المجلس الأعلى للثقافة إن له "العديد من الدراسات العلمية" منها "الذين هبطوا من السماء" و"الذين عادوا الى السماء" و"القوى الخفية" و"أرواح وأشباح".

ونال منصور جائزة الدولة التشجيعية في عهد عبدالناصر عن كتاب "حول العالم في 200 يوم" في العام 1963 وجائزة الدولة التقديرية في العام 1981 ونال في العام 2001 جائزة مبارك في الآداب وهي أكبر الجوائز في البلاد وأثار حصوله عليها في الآداب بعض الجدل.