هل تغير جائحة كورونا تصميم نظامنا التعليمي؟

د. سميره غنيم

الإغلاق القسري للمدارس، أحد أكثر العناصر كارثية لجائحة كوفيد19 . لقد أسفر هذا الإغلاق عن تغيير المقاربات التربوية التقليدية واستبدالها بنماذج تعليمية عملت على قلب معظم الأفكار والمعتقدات المتعلقة بالمنظومة التعليمية، فالقضية لم تكن مجرد الانتقال من الفصول الدراسية إلى شاشات الكمبيوتر والهواتف الذكية، لكنها أعادت تعريف دور الطلاب وإدارتهم لأنفسهم، ودور المعلمين والمشرفين، وشملت مكونات المنظـومـة التعليمية التي تتمثل في الأهداف، والمحتوى، والاستراتيجـيات التعليمية، والتقويم، والعلاقات التي تجمعهم معًا.اضافة اعلان
بعد مرور عام على نظام «التعليم عن بُعد»، نتساءل.. ما مدى نجاح أو فشل التجربة بالنسبة للطلاب وعائلاتهم، وكذلك بالنسبة للمعلمين؟ ما هو الوضع الحالي لإعادة فتح مرافق التعليم؟ وما هو تأثير الوباء على فئات طلابية معينة؟
في الاردن يعتبر التعليم عن بُعد تحدياً يومياً يعيشه الأهل والطلاب والمدرسون لأسباب عديد منها: انعدام المساواة في قدرة الطلاب على الوصول إلى التعلم عن بعد، البنية التحتيّة غير المُهيَّأة لهذا النَّوع من التعليم على المستوى التقني والبشري، التعليم عبر المنصات الإلكترونية أثّر سلبًا على مستوى إتقان الطلاب لمحتوى المنهج؛ فالأداء الأكاديمي للأطفال يتدهور وعدم المساواة في التعليم آخذ في الازدياد نتيجة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية القائمة، بالإضافة إلى عدم توفير حلول تقنية للطلاب من ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة (السمعية والبصرية). وأعتقد انه لا يمكننا الاستمرار في نظام امتحانات يترك ثلث التلاميذ مصنفين بالفشل.
كل التحديات السابقة كانت متوقعة إلى حد ما. وتشهد كثير من الدول حول العالم وضعاً مشابهاً، لكن المشكلة الآن تمتد إلى ما هو أبعد من البنية التحتية ونقص التدريب الممنوح للمعلمين، المشكلة متجذرة بعمق في الثقافة التعليمية التي سادت قبل الجائحة بوقت طويل، فالأنظمة التعليمية مصمّمة لاستخدام مادة تعليمية محددة ومتفق عليها. وبشكل عام يركز المعلمون على تعليم مهارات إدراكية متدنية على حساب المهارات العقلية العليا، ومن ثم تنتج تلك النظم خرّيجين يحملون المؤهلات، لكنهم لا يمتلكون منظومة المهارات الضرورية للتصدي للتحديات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي تواجه المجتمعات العربية، أو حتى لتلبية احتياجات سوق العمل.
في عالم اليوم المعولم والمدفوع بالتكنولوجيا، يجب أن نكون مستعدين لدخول واقع جديد، لنظام تعليمي يعترف بأن جميع أشكال المعرفة التي تم جمعها من العلماء والمحترفين نتيجة سنوات من الدراسة والخبرة اصبحت متاحة الآن بسهولة على الإنترنت، وان كل ما يتطلبه تعليم اليوم معرفة ما يجب فعله بالمعلومات، أي كيفية تحليلها، والاستفادة منها. تحتاج بيئات التعلم اليوم إلى احتضان مجموعة متنوعة ومرنة من الأماكن، والأفكار، والأشخاص، والتكنولوجيا، حتى يتمكن الطلاب من تحديد مساراتهم التعليمية وفق قدراتهم وميولهم، واختيار ما يريدون تعلمه، وكيف يريدون تعلمه، بمعنى التعلم بأنفسهم ولأنفسهم بطرق مرنة، وتعاونية، داخل الفصول الدراسية وخارجها وفقًا لقدراتهم الخاصة. لقد آن الأوان للانتقال من النظر إلى التعليم كنظام يوفر فيه مدرس واحد معلومات للعديد من الطلاب الى نظام يوجد فيه العديد من الموارد التعليمية المفتوحة Open Educational Resources”، المتوفرة مجانا على شبكة الإنترنت، للمعلمين والطلبة لاستخدامها في العملية التعليمية-التعلمية، ويكون المعلم واحدًا منها فقط.
يدور التعليم اليوم حول المشاركة بفعالية في المجتمعات المعقدة والاقتصاد المعولم، يحتاج الطلاب اليوم إلى مهارات التفكير النقدي، والتواصل بشكل فعال، والتعاون، وحل المشكلات المعقدة، واعتماد عقلية عالمية، والانخراط في تقنيات المعلومات والاتصالات، فالتعليم يتعلق في نهاية المطاف ببناء الإنسان المتكامل والمسؤول، وإعداد المواطنين العالميين.
فكرة أنه يمكننا إعادة فتح المدارس - في نهاية العام 2021- أو ليس بعد ذلك بكثير، كما لو أن كل شيء آمن لطلابنا هي ضرب من ضروب خيال السياسيين والتربويين الحالمين، فبناء على تقرير صدر في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، لمنظمة اليونيسف أنه «اعتمادًا على العمر والجنس والإعاقة أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي، لن يعود العديد من الطلاب (وخاصة المراهقين) إلى المدرسة بعد فترات إغلاق طويلة ومن المتوقع أن يعاني عدد أكبر من خسائر دائمة في تعلمهم.»
هناك دروس علمتنا إياها الجائحة، واهمها أن النظام التعليمي القائم لم يعد مناسبًا ، وان أي تعديل أو تحسين عليه لن يحدث أثراً ملموساً إلا إذا حصل تغيير شامل في المنظومة التعليمية، لذا أصبح لزاما، إعادة التفكير، والتحلي بالواقعية حول واقع النظام التعليمي وما وصلنا إليه.
والآن، ألا يجب علينا أن نفكر في التعليم كأولوية وطنية وتقديم مبادرة إصلاح تربوية أكثر كفاءة وديمومة. إن الاردن بحاجة ماسة إلى المزيد من القوى العاملة الماهرة لسد الثغرات في سوق العمل وتكون قابلة للتسويق عالميا. فهل يعيد فيروس كورونا تصميم نظامنا التعليمي؟