فلسطين ستبقى البوصلة

كان سبتا مختلفا بالنسبة لي، لم تعشه الأجيال الحالية منذ سنين، بدأ عندما رن الهاتف باكرا، وكان على الطرف الآخر احد الاصدقاء الذي أبلغني فرحا وناقلا فرحته لي، أن المقاومة الفلسطينية ولأول مرة استطاعت عبور الشريط الحدودي تجاه المستوطنات الصهيونية في غلاف غزة، وأن جنودا صهاينة أسرى بيد المقاومة، وحربا حقيقية واسعة وشاملة تجري في الميدان، والمقاومة تتقدم، وجنود الاحتلال يهربون مهرولين.

اضافة اعلان


سارعت للتلفاز، رأيت شبابا بعمر الورد، ذاقوا من اللجوء ما ذاقوا، يدخلون العمق الفلسطيني المحتل، يقفون على ارض آبائهم واجدادهم التي شردوا منها العام 1948، وجاء محتلون وجلسوا فيها، شباب من احفاد اللاجئين وضعوا في قطاع غزة مورس عليهم شتى أنواع الارهاب والاعتداء والاغتيال، والمحاصرة، وكأنهم في سجن كبير.


كان خبرا مفرحا، فهذا الكيان الذي يواصل انتهاكاته اليومية للمقدسات الإسلامية في القدس، ويقوم قطعان مستوطنيه وبحماية جنود الاحتلال، بشكل يومي على مدار شهر واكثر، بانتهاك حرمة المسجد الأقصى، والاعتداء على المصلين واهانتهم، وضرب وشتم واسر، وتعذيب المقاومين المدافعين عن الأقصى بالحجر.


الكيان المحتل بات يعتقد ان الصمت المتواصل للحكومات العربية والإسلامية والدولية، على انتهاكاته لحرمة المقدسات، وان قطار التطبيع الذي يسير بين الكيان ودول عربية من شأنه تغيير الواقع الفلسطيني على الأرض، وان المقاومة هشة، ولم تعد كما كانت سابقا، ليخرج رد المقاومة مختلفا صاعقا ليس للكيان فقط، وانما للعالم بأسره، إذ نفذ المقاومون عملية نوعية استثنائية تختلف عن سابقاتها، عملية لم تعرفها إسرائيل ولم تتوقعها، عملية سرية نوعية استثنائية استطاعوا من خلالها عبور الشريط الحدودي داخل فلسطين المحتلة والوصول لعمق المستوطنات، وتحييد دبابات، واسر جنود.


من يقول ان ما قامت به المقاومة اعتداء على مدنيين، عليه الصمت، وعليه ان يعيد شريط ما قامت به قوات الاحتلال على مدار أعوام سبقت، ويستذكر منظر اعتداءات الصهاينة المتكررة على مصلين، وهدم ابنية فوق رؤوس أصحابها، اولئك قبل التباكي على مدنيين صهاينة، عليهم البكاء قبل ذاك على فلسطينيين أخرجوا من ديارهم وجاء أولئك الذين يقولون عن انفسهم مدنيين وجلسوا بدلا منهم، وعلى أولئك معرفة حقيقة ثابتة ان المقاومة حق مشروع، نصت عليه شرائع حقوق الانسان والأمم المتحدة، فالمقاومة ليست حقا لطرف، ومدانة اذا قام بها الشعب الفلسطيني.


فيا أيها السادة في شرق الكرة الأرضية وغربها، قبل الحديث عن اسر مدنيين والتباكي عليهم، عليكم دعوة أولئك الذين تعتبرونهم مدنيين، والذين يحتلون ارضا ليست لهم، للرحيل عنها، واعادتها لأصحابها الشرعيين، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بحق الكيان الصهيوني الغازي، وإلا فإن أولئك سواء كانوا بلباس مدني او عسكري، فهم بمثابة مستعمرين محتلين سرقوا ارض من أصحابها، ولسلامتهم فإن عليهم إعادة ركوب الباخرة الى المناطق التي جاءوا منها قبل عام 1948 وبعدها.


اما الذين لا يريدون رؤية ما جرى للشعب الفلسطيني لأكثر من 75 سنة، فإن عليهم الصمت، وعدم التنظير، فلا سلام مع محتلين، ولا تطبيع مع يمين متطرف لا يؤمن بحق الفلسطينيين في ارضهم، ويريد هدم الأقصى، وتهويده، ويستبيح الارض الفلسطينية، وقتما يريد، ويقتل المارة بدم بارد ويمثل بالضحايا ويسحل النساء الصامدات المرابطات في الأقصى.   


من حقنا في الأردن، ونحن الاقرب للجرح الفلسطيني اليومي النازف، ونحن الذين نشعر بهذا الجرح كأنه جرحنا، من حقنا الفرح، ومن حق شعبنا الأردني توزيع الحلوى في محافظات المملكة للهجوم غير المسبوق للمقاومة على جنود الاحتلال في محيط قطاع غزة، وقدرة المقاومة الوصول الى مستوطنات صهيونية بنيت على ارض ليست لهم وانما اقتلعوها من أهلها الأصليين وسكنوها.


ستبقى فلسطين البوصلة، ومهما حاول البعض تحييد تلك البوصلة، فإن مساعيهم ستخيب، وستبقى القضية الفلسطينية والأقصى حاضرين في بوصلة الشعب الفلسطيني والعربي على حد سواء.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا