هل وصلنا إلى "بر الأمان" في المياه المعالجة مقابل التحديات المناخية؟

سد كفرنجة في منطقة عجلون-(أرشيفية)
سد كفرنجة في منطقة عجلون-(أرشيفية)

وسط ارتفاع المناداة بإنشاء نظام دولي قوي، قبل خروج أزمة المياه والصرف الصحي عن السيطرة، دعا خبراء إلى ضرورة اتخاذ إجراءات التكيف مع الظروف المناخية المتغيرة، والاعتماد على مصادر المياه غير التقليدية، بخاصة استعمال مياه الصرف الصحي المستصلحة.

اضافة اعلان


وفي حين تتنامى أزمة المياه خارج إطار دولة بذاتها، لتصل إلى العالم بأسره، في ظل مواجهة 26 % من سكان العالم أزمة مياه الشرب النظيفة، وفق تقارير دولية، أكد المختصون في تصريحات لـ"الغد"، أهمية الإسراع باتخاذ تدابير تساعد في التكيف مع تلك التحديات، بخاصة في الأردن، حيال إدارة الموارد المائية.


وفي هذا السياق، رجحت الأستاذة في كلية هندسة وإدارة الموارد الطبيعية في الجامعة الألمانية الأردنية د. منى هندية بأن يكون لتغير المناخ تأثير كبير على الأردن، بخاصة ما يتعلق بزيادة درجات الحرارة، وتباين أنماط هطل الأمطار، والأحوال الجوية القاسية، والفيضانات السريعة.


وقالت هندية، إن ذلك "سيؤدي لإضعاف مرونة خدمات المياه والصرف الصحي، ويزيد تعقيد تحقيق الهدف 6 من التنمية المستدامة"، مضيفة أن هناك "علاقة واضحة بين عدم الوصول إلى المياه والصرف الصحي وتحقيق الأهداف الإنمائية، والحلول لهذه المشكلة معروفة وفعالة من حيث التكلفة".


ولفتت الى أنه وبموجب الأبحاث؛ فإن كل دولار أميركي يستثمر في تحسين الصرف الصحي، يترجم إلى عائد متوسطه 9 دولارات، نلمس هذه التبعات بتحسن حياة الأطفال الفقراء والمجتمعات المحرومة تحديدا.


أما عن نسب تغطية خدمة الإصحاح الأساسية في المدارس الأردنية الحكومية، فأوضحت هندية، أنها لا تتجاوز 33 %، وتليها اليمن 25 % والتي تمثل أدنى النسب لدول شمال أفريقيا وغرب أسيا.


وحول نسبة المدارس المخدومة بشبكة الصرف الصحي، فلا تتجاوز
33 % في الأردن، بالإضافة الى عدم تجاوز نسبة المدارس التي لديها مرافق صحية محسنة ومعدلة ومزودة بتسهيلات لذوي الإعاقة محدود الحركة الـ11 %، وفق تقرير منظمتي: الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، والصحة العالمية العام 2020.


واعتبرت هندية، أنه توازيا مع ارتفاع درجات الحرارة نتيجة لتغيّر المناخ وتأثيرها على موارد المياه المحدودة أصلاً في الأردن، يوفر التوسع في معالجة مياه الصرف الصحي، خياراً جيداً لزيادة مصادر مياه الري، وهو القطاع الذي يستهلك حوالي نصف إجمالي إمدادات المياه في البلاد.


وأكدت الخبيرة في إدارة الموارد الطبيعية، أن معالجة الصرف الصحي وإعادة استخدام المياه المعالجة؛ أحد الحلول الرئيسة لتلبية احتياجات الأردن في المياه، في وقت نفذت فيه مشاريع لتحسين البنية التحتية لمعالجة الصرف الصحي، وإعادة استخدام المياه في الأردن. وكذلك تحسين إدارة موارد المياه وتوفير الوصول إلى مياه الشرب المأمونة والميسورة التكلفة، وخدمات الصرف الصحي للجميع أمر أساسي لبناء عالم صحي خال من الأمراض.


وتابعت هندية، أن قطاع الصرف الصحي الأردني، ما يزال يواجه تحديات رئيسة، منها نقص الموارد المائية، وهو ما يؤثر على القدرة على تشغيل محطات معالجة الصرف الصحي وتوفير الخدمات بشكل كامل، جنبا إلى جنب زيادة النمو السكاني وأعداد اللاجئين التي تزيد من الضغط على نظام الصرف الصحي، إذ تزداد الاحتياجات لتوفير خدمات الصرف الصحي لعدد متزايد من السكان. 


وشددت على توفير التمويل الكافي وتعزيز القدرة التشغيلية، لضمان استدامة وفعالية نظام الصرف الصحي، منوهة لأن الحكومة تسعى لمواجهة تلك التحديات، عبر تطوير سياسات وإستراتيجيات لتعزيز نظام الصرف الصحي، بما فيها تحسين البنية التحتية، وزيادة الاستدامة المالية، وتشجيع الابتكار في تقنيات المعالجة وإدارة المياه وحماية المياه العذبة. 


وفي ظل توقعات عالمية بأن يواجه ما يتراوح بين 1.7 إلى 2.4 مليار من سكان الحضر في العالم أزمة مياه الشرب في الأعوام الـ27 المقبلة، أي بحلول العام 2050، أكدت الخبيرة الإقليمية في دبلوماسية المياه ميسون الزعبي، أن المملكة في استجابتها للآثار المتوقعة لتغير المناخ، طرحت في مساهمتها المحددة وطنياً، استخدام الموارد المائية غير التقليدية، كخيار للتكيف مع التغير المناخي، فيما حددت إستراتيجية المياه الأردنية التوسع في معالجة مياه الصرف الصحي اللامركزية كأحد أهدافها، باعتبار ذلك تدبيرا ضروريا وقابلا للاستمرار للتكيف مع ندرة المياه الزراعية.


لكن الزعبي، أشارت في الوقت ذاته الى نقص إدارة الموارد المائية حاليا للتمويل، إضافة لاحتياجها لمزيد من الاهتمام من الحكومات.


وأضافت الزعبي، أن تغير المناخ يهدد إدارة الموارد المائية، ويزيد من خطر الظواهر المتصلة بالطقس، ويؤثر على توافر خدمات المياه والصرف الصحي ونوعيتها، لكنه يتيح أيضا الاستفادة من آليات التمويل المتعلق بالمناخ، لتوفير تمويل إضافي لتحسين إدارة المياه ومن ثم تحسين إمكانية الحصول على المياه المأمونة والصرف الصحي، عبر إجراءات تخفف أيضا من آثار تغير المناخ و/أو تزيد من القدرة على الصمود أمامها، وهو كثيرا ما يوفر منافع مشتركة أخرى في الوقت نفسه.


واعتبرت الخبيرة الإقليمية أن تزايد الاهتمام العالمي بتغير المناخ، يتيح فرصة غير مسبوقة لتحتل مسألة المياه موضعا بارزا ضمن جهود تمويل التنمية المستدامة.
ولفتت الزعبي الى أبرز التحديات التي تواجه الاردن، والمتمثلة باستدامة وكفاءة إدارة الموارد المائية الحالية، والحفاظ على خدمات المياه، وتوسيع نطاق الوصول إليها، بالإضافة للإجراءات المتخذة لمعالجتها وإعادة استعمالها.


وفيما حذّر التقرير من "بعد" 46 % من سكان العالم عن مستوى الصرف الصحي، ووسط تنامي تهديدات الأمن المائي في العالم يوما بعد يوم بسبب تغير المناخ، حيث باتت هذه الأزمة تتخذ شكلا مخيفا على خمسة مليارات شخص في العالم، وفق دراسة أجراها علماء في جامعة كاليفورنيا؛ أشار مصدر مطلع بوزارة المياه والري، فضل عدم ذكر اسمه، لتوقعات بأن يتسبب التغير المناخي في انخفاض إضافي بموارد المياه العذبة من المصادر التقليدية بنسبة 15  %، حسب الخطة الوطنية الشاملة للمياه بحلول العام 2040.  


وبات مؤكدا هذا التحدي الذي رصدته الإستراتيجية الوطنية للمياه للأعوام 2023 – 2040، والتي أطلقتها وزارة المياه والري مؤخرا، والتي اعتبرت أن "تغير المناخ خطر كبير، سيكون مصحوبا بعواقب وخيمة محتملة، على الإنسان والاقتصاد والنظم البيئية، وخصوصا على قطاع المياه، فهو أكثر القطاعات تأثرا بالتغيير المناخي". 
ويعني التغير المناخي بالنسبة للمياه؛ كميات هطل أمطار ذات أنماط متغيرة باستمرار، وارتفاع درجات الحرارة، وأحيانا المزيد من الفيضانات الشديدة، بالإضافة لانخفاض معدل جريان المياه في الوديان بنسبة 15  % بحلول العام 2040، وانخفاض تغذية المياه الجوفية بنسبة 15  % بحلول العام ذاته.  


كما يعني أيضا، تدني جودة المياه، بحيث أن انخفاض تغذية المياه الجوفية بسبب قلة هطل الأمطار مصحوبا بارتفاع درجات الحرارة، يؤدي إلى ارتفاع مستويات الملوحة، إلى جانب مظاهر أضرار البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، جراء الفيضانات وحالات الجفاف المتكررة والحادة، فضلا عن ارتفاع الطلب على المياه في فصول الصيف الحارة، وانخفاض كميات مياه الزراعة المروية والبعلية. 


وبحسب التقرير العالمي لتنمية المياه؛ فإنه في حال عدم العثور على حلول قريبا لتلك الأزمة، فـ"سيكون من الصعب للغاية، التعامل مع هذه الأزمة العالمية الرهيبة، وبالتالي هو السبب في أنه من المهم للغاية وقف هدر المياه".
وعودة لدراسات "ستانفورد" السابقة للمياه في الأردن، فبحثت أوضاع المياه في المملكة خاصة الجوفية والأحواض العابرة للحدود، مستهدفة توجيه نظر صانعي القرار على المستويات الحكومية والإدارية والتنظيمية والمستخدمين، نحو بناء سيناريوهات تدخل لتحليل استدامة المياه العذبة. 


وأكدت الدراسات التي أجرت تحليلا إحصائيا حول ظواهر التغيّر المناخي، وقياس أثرها على انخفاض هطل الأمطار والتقلبات المناخية في الأردن، أن الأردن والمنطقة يعيشان حالة غير مسبوقة من التغييرات المناخية، والتي تفضي لتراجع معدلات الهطل المطري على المنطقة، بخاصة خلال الأعوام العشرين الماضية. 


وبيّنت الدراسة، أن المنطقة ستتأثر بظاهرة التغيّر المناخي، وستتعرض إلى ازدياد في درجات الحرارة وتغيّر في أنماط الهطول المطري، معتبرة بأن ذلك بحد ذاته تهديد للأمن المائي واستدامة التنمية الاقتصادية في الأردن، الذي يعاني أصلاً من شح المياه. 


ويعاني الأردن من تحديات نالت من وصول أمن نظامه المائي إلى نقطة تحول، بسبب إمدادات المياه المحدودة للغاية، والنمو السكاني السريع والتحولات الديموغرافية، وتغير المناخ وتقلبه، والمنافسة العابرة للحدود على موارد المياه العذبة المشتركة، والخلل المؤسسي، وفق الدراسة.


وتعتبر الوزارة، التوسع بمعالجة مياه الصرف الصحي اللامركزية أيضا تدبيرا ضروريا، وقابلا للاستمرار للتكيف مع ندرة المياه الزراعية.

 

اقرأ المزيد : 

"المياه".. حلول إستراتيجية للنهوض بالقطاع