المقاومة الخضراء.. وجه آخر لصمود مزارعي غزة أمام حرب الإبادة

الدمار في غزة
الدمار في غزة

عقدان من الزمان انتظرهما المزارع الغزي حسام، ليطرح بستانه في غزة "ثمار تعب وجهد تلك السنين، بـ 240 شجرة أعاد زراعتها لأكثر من مرة.

اضافة اعلان


لم تستمر فرحته طويلا بأشجار زرعها في أرضه تعني له الوطن، حيث الحرب الإسرائيلية الشرسة في القطاع، تعمدت على تدمير الأراضي الزراعية لإبقائنا جوعى وفقراء، وما شهدناه في سنوات سابقة.. لكنها هذه المرة لم يسبق لها مثيلا وأشد فتكاً بالزرع والشجر".


وفي رحلة النزوح المستمرة منذ بداية العدوان على غزة منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، يستذكر حسام بستانه وكم لهذه الأشجار من قصة تحد، فقد غرستها عائلته عام 1956 بالمنطقة الشرقية من دير البلح، ووفرت زيتا للعائلة إضافة إلى مردود مالي، ويقول "في ظهيرة يوم 1 كانون الثاني (يناير) 2000، دخلت قوات الاحتلال أرضي بجرافة، ولم تترك أي شجرة واقفة".


ولكن ولحسن حظ حسام، كان من بين المستفيدين من أشجار "حملة المليون شجرة" المنبثقة عن الجمعية العربية لحماية الطبيعة، وهي منظمة أردنية معنية بالقطاعين الزراعي والبيئي في المنطقة العربية، وفلسطين والأردن، على وجه التحديد، وفي عام 2021، أعادت المنظمة زراعة البستان من جديد ومقابل كل شجرة اقتلعت زرعت أخرى بعد 21 عاما، وهنا يقول أن هذا الأمر "أحيا أملي من جديد، وعاد مصدر الدخل ولقمة العيش لأسرتي، ودعم تعليم أطفالي، وتسهيل زواج أبني الأكبر".


رئيسة الجمعية العربية لحماية الطبيعة، ومؤسسة الشبكة العربية للسيادة على الغذاء المهندسة رزان زعيتر، تحدثت لـ "الغد" عن هذا الأمر. وتقول "العدوان على غزة العام 2021، كنا بجانب شركائنا المزارعين ورصدنا أين تمركزت خسائرهم والتي لا تقارن مع هول خسائر هذه الحرب"، حيث تعمد الاحتلال استهداف القطاع الزراعي، وتم حينها إطلاق حملة تنمية إغاثية دعمت المزارعين المتضررين.


وخلال هذه الحملة، بينت زعيتر أنه تم زراعة ما يقارب أكثر من 20 ألف شجرة مثمرة، إضافة للعديد من المحاصيل الحقلية، واستصلاح البيوت البلاستيكية، والبرك الزراعية، وشبكات الري بالتنقيط، وتم تزويد عدد من المزارعين بالمناحل ودعم الصيادين، وفي الفترة الحالية تتركز جهود الجمعية على حملات توعية دولية موثقة ليظهر للعالم تفاصيل الجرائم البيئية والغذائية المرتكبة ضد القطاع الزراعي والغذائي في غزة.


وتمثل الأراضي الزراعية في غزة مصدر الرزق الوحيد لمئات العائلات في القطاع، كما أنها تمثل سلة الغذاء الأساسية لسكانها، لا سيما وأنها تنتج المحاصيل الضرورية بكميات وفيرة، وبذلك تكون عنصرا أساسيا في الوجود الفلسطيني والاقتصاد، وعاملا حيويا للاستقلالية عن الاحتلال، لذلك يضاف القطاع الزراعي إلى بنك الأهداف الإسرائيلية في غزة.


ويعاود حسام القول إنه وغيره الكثير من المزارعين، لم يتمكنوا من الوصول إلى أراضيهم بسبب القصف العشوائي؛ بل إن بعض المزارعين استشهدوا خلال الهدنة أثناء حصاد محاصيلهم، ويضيف "شهدنا بأم أعيننا قيام الجيش الإسرائيلي بتجريف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، كما بقيت العديد من المزارع والبساتين من دون حصاد أو صيانة بسبب عدم إمكانية الوصول إليها والكثير من المحاصيل في غزة تم خسارتها بسبب نقص المياه".


ووفقا لأحد أعضاء لجنة طوارئ بلدية غزة فقد "اقتلع الاحتلال 70 % من الأشجار في مدينة غزة خلال ثلاثة أشهر فقط منذ بداية العدوان الحالي"، في الوقت الذي باتت فيه تلك المزارع تمثل دوراً حاسماً في صمود سكان الشمال بعد منع دخول المساعدات الغذائية إليهم.


تؤكد زعيتر كذلك أنها استمعت للعديد من المزارعين في غزة، وهم من شركاء الجمعية، أنهم وهم تحت الحصار خلال الثلاثة أشهر الأخيرة كانوا يأكلون مما زرعوه سابقاً، وأن ما يقوم به الاحتلال هو استخدام الغذاء كسلاح لتجويع الفلسطينيين بهدف إبادتهم جوعاً وعطشاً. وتضيف بأن تدمير الموارد الزراعية هو الخطر الأكبر الذي يهدد بأزمات غذائية مستمرة، الأمر الذي يجب أن يكون على سلم أولوياتنا عبر التنمية الإغاثية وإعادة تأهيل الأراضي.


ولطالما ركزت الجمعية العربية لحماية الطبيعة على هذا النوع من التنمية وعدم خلق مجتمعات تعتمد على المعونات فقط، إضافة لتعزيز مبدأ السيادة على الغذاء الذي كان جوهر زراعة مئات الآلاف من الأشجار في غزة (نحو نصف مليون شجرة مثمرة، وإنجاز العديد من مشاريع التنموية الزراعية)، في حين كانت المشاريع المدعومة من المؤسسات المالية الدولية وغيرها تدعم زراعة زهور الزينة فقط.


وعن الأضرار الكارثية في القطاع، تشير زعيتر إلى أنه من المبكر الحديث عن مدى الأضرار التي نتجت عن هذه الهجمة المتوحشة على غزة.


وتقول "لقد تحركنا منذ الأيام الأولى للحرب وقدنا حراكاً ضمن الأطر البيئية والزراعية العربية والمنابر الإقليمية والدولية المتعلقة بالغذاء"، واضعين المكون البشري في صلب الجرائم البيئية على وجه الخصوص، وتحدينا الأصوات الغربية التي حاولت القفز عن موضوع غزة في العديد من الاجتماعات بدعوى أن في ذلك تسييس للقضايا البيئية، بينما ما كان يحصل محاولة للدفاع عن الاحتلال وتبييض صحيفته ونشر ادعاءاته أنه من أكثر الكيانات الداعمة للبيئة وللطاقة النظيفة وغيرها من الأكاذيب، على حد تعبيرها.


وعلقت زعيتر على تباطؤ تعليق منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO، خلال الشهر الأول للحرب حول ما يحدث للقطاع الزراعي والغذائي، وقد طرحت الجمعية العربية لحماية الطبيعة خلال الاجتماعات التشاورية والفنية لمنظمات المجتمع المدني التي انعقدت بالتزامن مع الحرب على غزة بشكل مباشر، توصيات للمنظمة بأن تصرح ضمن اختصاصها بأسرع وقت ممكن.


ومع أن الرد جاء متأخرا، فقد صرح المدير العام للمنظمة "شو دونيو" عن الواقع الخطير في غزة حيث قال إن "لا أحد آمن غذائيا في غزة"، لتؤكد زعيتر بأن المشكلة ليست في غياب التصريح، بل بعجز المؤسسات الدولية والأممية، ومنها الأمم المتحدة عن القيام بواجبها، وذلك بفعل الهيمنة الغربية الاستعمارية وغياب الوجود العربي الفاعل للتأثير على مراكز القوى.


وأشارت زعيتر إلى ان الولايات المتحدة الأميركية عرقلت لمدة شهر الجلسة الختامية لأرفع لجنة للأمن الغذائي العالمي  CFS، بعد تقديم ممثل مصر مقترحاً بخصوص استخدام الغذاء كسلاح في غزة الأمر الذي استفز ممثل واشنطن الذي رفض المقترح وغادر القاعة، وأضافت "قمنا كمؤسسين وأعضاء في الشبكة العربية للسيادة على الغذاء بتقديم مرافعة في الاجتماع اللاحق وأملنا فيها أن تتمكن لجنة الأمن الغذائي العالمي من التخلص من المعايير المزدوجة والحماية الانتقائية لحقوق الإنسان".


كما لفتت زعيتر إلى خطورة قرار وقف المساعدات الغذائية الأممية لشمال غزة في الوقت الذي بدأت تتفشى فيه المجاعة بشكل خاص في هذه المنطقة مع وجود بؤر أخرى في الوسط والجنوب بحسب التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC).


وحذرت زعيتر من الأثر الخطير بسبب استخدام الأسلحة على قطاع غزة كالفسفور الأبيض والقنابل الحارقة على الأرض والمياه، حيث تشير إلى التقارير البيئية التي بدأت المنظمات الدولية في نشرها، وأن هناك حاجة لوقفة جدية لتقييم الأضرار من الجهات المعنية وذات الاختصاص، وبالتعاون مع ممثلي المزارعين في فلسطين، ومن بعدها الوقوف على ما يمكن فعله ومعالجة الأراضي الزراعية كأولوية في إعادة الأعمار.


وتذهب الى أن الاحتلال وبشكل دوري، منذ 100 عام، يحارب البيئة الفلسطينية وان استصلاح الأراضي الزراعية التي دمر الاحتلال أكثر من 30 % منها، وإعادة زراعتها، يعد مسؤولية كبرى، عليها أن تكون على الأجندة القادمة للإغاثة التنموية وفق خطة واضحة وتبني حقيقي للقطاع الذي يرفد أكثر من 2.2 مليون فلسطيني.


الدمار في غزة-(وكالات)